صحيفة دولية : الحوثيون أمام الانسحاب من الحديدة أو الحسم العسكري
باتت استعادة الحديدة من سيطرة المتمردين الحوثيين مسألة وقت بالنسبة إلى قوات التحالف العربي والقوات اليمنية الحليفة بعد بدء الهجوم على المدينة الأربعاء الماضي. ورغم إعلان الإمارات التمسك بخيار الحسم العسكري، لا تزال تبقي الباب مفتوحا أمام مساعي المبعوث الأممي مارتن غريفيث، الذي مدد بقاءه في صنعاء ليوم إضافي، فضلا عن وضع سلامة المدنيين كأولوية قصوى خلال الهجوم.
وأكّدت الإمارات، الشريك الرئيسي في التحالف العربي، الاثنين، أن الهجوم باتجاه ميناء الحديدة لن يتوقف إلا إذا انسحب المتمردون من المدينة من دون شروط، في وقت تتواصل فيه مهمة غريفيث في صنعاء لمحاولة التوصل إلى تسوية، في مسعى وصفته أبوظبي بـ”الفرصة الأخيرة”.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في مؤتمر صحافي في دبي “نقوم بهذا الضغط (…) ليساعد أيضا المبعوث الأممي حاليا في فرصته الأخيرة لإقناع الحوثيين بالانسحاب غير المشروط من المدينة وتجنيب المدينة أي مواجهة”.
وأضاف “إذا لم يتم ذلك (…) فإننا مصممون على تحقيق أهدافنا”.
وشدد قرقاش على أن “أي عرض للانسحاب يجب ألا يكون مشروطا”، معتبرا أنهم “لو أرادوا وضع شروط لكان عليهم أن يقوموا بذلك قبل عام حين كانت المفاوضات جارية وكانوا في وضع أفضل. هذا ليس وقت التفاوض بل وقت الانسحاب من دون شروط”.
وكان قرقاش يشير على ما يبدو إلى اشتراط الحوثيين على غريفيث أن يبقى ميناء الحديدة تحت إدارتهم المباشرة، لكن بإشراف أممي، وهو العرض الذي كان مطروحا منذ أعوام من قبل التحالف العربي، ورفضه الحوثيون حينها.
لكن اليوم يصر التحالف والمقاومة اليمنية والرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي على تسليم المدينة والميناء والمطار للحكومة المعترف بها دوليا، دون أن يكون الإشراف الأممي خيارا مطروحا للنقاش.
وفي انتظار حسم النقاشات الدائرة بين المبعوث الأممي والحوثيين في صنعاء، أبطأت المقاومة اليمنية إلى حد كبير من حدة القتال والتقدم في محيط مطار الحديدة، معطية بذلك فرصة للحوثيين لتقديم تنازلات قد تكون حاسمة تجاه إنهاء المعركة بشكل سلمي.
وقال الوزير الإماراتي إن التحالف يتبع نهجا محسوبا وتدريجيا في المعركة لتقليل المخاطر على المدنيين وإنه يترك للحوثيين طريقا للفرار إلى صنعاء.
وأضاف للصحافيين في دبي أن هناك مئة شاحنة تحمل مساعدات غذائية في طريقها إلى الحديدة من عدن عبر المخا في الجنوب.
وقال إن “التحالف خطط هجومه بما يراعي التحديات الإنسانية”، مشيرا إلى أن “النهج المتبع منهجي وتدريجي ومحسوب للسماح للحوثيين بفعل الصواب وهو اتخاذ قرار الانسحاب غير المشروط”. وشدد قرقاش على أن “أيام الحوثيين في الحديدة صارت معدودة وأنها تحتاج إلى أن تكون أقصر ما يمكن لإنقاذ السكان”.
ويحاول الحوثيون إطالة أمد المعركة لأطول مدة ممكنة، ورفع كلفة الخسائر البشرية وتأخير وصول المساعدات الإنسانية، أملا في أن تشكل هذه الاستراتيجية ضغطا دوليا على التحالف العربي بقيادة السعودية.
وتدرك الإمارات، التي تقود المعركة عبر مستشارين عسكريين لها على الأرض، خطط الحوثيين، لكنها تسعى في الوقت نفسه إلى إيجاد طرق بديلة لإيصال المساعدات قبل التقدم إلى قلب المدينة.
وقال قرقاش إن التحالف يعول على جهود مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن للتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين ليخلوا الحديدة.
وعاد غريفيث إلى صنعاء السبت. وقالت السلطات الحوثية ومكتب الأمم المتحدة في صنعاء إنه سيبقى حتى الثلاثاء بعد أن قال إنه سيغادر الاثنين.
ومساء الأحد، التقى رئيس حكومة المتمردين غير المعترف بها دوليا عبدالعزيز صالح بن حبتور، غريفيث بحسب وكالة “سبأ” المتحدثة باسم المتمردين.
وقال بن حبتور خلال اللقاء إن المتمردين يؤيدون “أي توجه (…) نحو سلام حقيقي”.
وقالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن غريفيث طلب لقاء زعيم الجماعة الحوثية عبدالملك الحوثي قبيل مغادرته صنعاء استعدادا لتقديم إحاطته لمجلس الأمن الدولي.
وأكدت المصادر أن غريفيث شعر خلال اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين الحوثيين في صنعاء بخيبة الأمل جراء تناقض المواقف التي أبدتها تلك القيادات إزاء خطته حول تطبيع الأوضاع في مدينة الحديدة.
وأشارت إلى أن جهود المبعوث الأممي باءت بالفشل في التوصل إلى تسوية بخصوص مدينة الحديدة ومينائها في حال لم تحدث تحولات مفاجئة خلال الساعات القادمة.
ويرى العديد من المراقبين اليمنيين أن صراع الأجنحة المحتدم داخل الجماعة الحوثية وهيمنة التيار الراديكالي المتطرف في الآونة الأخيرة، إلى جانب التأثير الإيراني على القرار الحوثي كلها أسباب تقلل من إمكانية إقدام الحوثيين على خطوة غير متوقعة باتجاه السلام والانخراط في مشاورات سياسية مع الحكومة اليمنية.
واعتبر محللون سياسيون أن قيام المتمردين بحفر الخنادق والأنفاق داخل أحياء الحديدة وإطلاق تصريحات عدائية ضد المبعوث الأممي وجهوده الرامية لتجنب حدوث معركة في المدينة المكتظة بالسكان، مؤشرات كافية على رفض الجناح العسكري في الجماعة الحوثية لأي مبادرات وإصراره على المضي قدما في القتال حتى النهاية.
ويشير الصحافي اليمني رماح الجبري في تصريح لـ”العرب” إلى أن القدرات العسكرية للميليشيا الحوثية في الحديدة لم تعد قادرة على الصمود أمام القوات المشتركة التي وصلت إلى مطار الحديدة الدولي، كما أن إمكانية صمود هذه القوات من خلال خوض حرب شوارع ليس مجديا في ظل عدم وجود حاضنة شعبية للميليشيا الحوثية في المدينة تمكنها من كسب المزيد من الوقت.
وأضاف الجبري أن الميليشيا الحوثية دفعت بالكثير من قياداتها للتواجد في مدينة الحديدة كون تحرير هذه المدينة يمثل قطع شريان الحياة بالنسبة لها لا سيما وأن إيرادات ميناء الحديدة بحسب آخر التقارير الرسمية في 2015 يصل إلى أكثر من 100 مليار ريال يمني، كما أن الميليشيات ضاعفت من حجم الضرائب والجمارك وباعت المشتقات النفطية التي تصل عبر الميناء في الأسواق السوداء وهو ما يعني تضاعف إيرادات الميناء التي تمول به عملياتها القتالية.