من خبير نفط الى بائع فحم.. ناصر الجرادي، قصة جوهرة يمنية بيد فحام
تسريح الخمسيني ناصر الجرادي كبار مهندسي النفط في القطاع 32 من عمله في الشركة النرويجية لإنتاج النفط (DNO) بحقول المسيلة في حضرموت جنوبي شرق اليمن، وحرمانه من رواتبه، دفعه إلى العمل في بيع الفحم في سوق “الكدر” بكريتر جنوب مدينة عدن كما يقول لـ”المشاهد”، متابعا بحزن، وهو يبعثر كومة الفحم “كم هو الزمن قاس عندما يسلب الردي منك الأمل ويقتل الجنون فيك الطموح”، مضيفا أنه وجد في عمل بيع الفحم التي أمضى فيه أربع سنوات، فرصة لمواجهة جزء من متطلبات الحياة من مأكل ومشرب وإيجار منزل وتكاليف دراسة للأبناء وتطبيب، لكن ما يحصل عليه من بيع الفحم لا يكفي 30% من كل هذه المتطلبات، إذ أن ربحه اليومي لا يتجاوز 3 آلاف ريال يوميا (ما يوازي 6 دولارات)، رغم أنه يقضي عشر ساعات يوميا تحت حرارة الشمس الحارقة في هذا العمل القاسي كما يقول.
وسرحت الشركة النرويجية لإنتاج النفط 198 موظفا وعاملا، الأمر الذي أجبر البعض منهم على بيع الغاز المنزلي في شوارع مدينة عدن، والقيام بأعمال أخرى كسائقين سيارات أجرة، والبيع في بسطات بحسب الجرادي وموظفين أخرين تحدثوا لـ”المشاهد”، مؤكدين أن الدولة أنفقت ملايين الدولارات على هذا الكادر من خلال تأهيلهم في عدد من دول العالم كخبراء محليين أكثر كفاءة من الكادر الأجنبي، مستغربين صمت الحكومة حيال الظلم الذي وقع بهم، من هذه الشركة التي كانت تعمل في قطاع يرفد خزينة الدولة بأكثر من 70% من الإيرادات.
بيع الفحم لا يكفي
الجرادي الذي يعول أسرة مكونة من 9 أفراد، قضى عشر سنوات في العمل بالشركة النرويجية لإنتاج النفط، عاش خلالها ميسور الحال، وما جمعه في تلك الفترة من أموال لا تكفي لسداد ديوانه لأحد البنوك والمقدرة بـ 3469 دولار، رغم بيع سيارته وأرضية اشتراها في وقت سابق لتكون مساحة لمنزله المستقبلي، فلم تكن.
ويعجز الجرادي شهريا عن دفع ايجار المنزل، الأمر الذي راكم عليه الديون لصاحب العقار، وبات مهددا بالطرد في أي لحظة، لأن ما يكسبه من بيع الفحم لا يكفي المتطلبات الأساسية التي تبقيه وأسرته على قيد الحياة بحسب قوله، مضيفا “أشعر بالألم عندما أقف عاجزاً عن توفير أدنى متطلبات الحياة لأسرتي، فاضطررت إلى تحويل أبنائي من مدارس أهلية إلى أخرى حكومية لتجنب الإنفاق بسبب تردي الدخل الذي أفرزته تبعات تسريحنا من الشركة النرويجية”.
فاقم من معاناة الجرادي اليومية مرضه بالقلب، بعد أن خضع لعملية قسطرة، وعجز معها عن شراء الأدوية المطلوبة كما يقول، مضيفا أن أكثر ما يوجعه هو عجزه عن توفير ما يحتاجه أبناءه الثمانية.
مع اندلاع الحرب بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي في مارس/آذار 2015 أوقفت الكثير من الشركات الأجنبية العاملة في مجال النفط إنتاجها من النفط الخام بحقول المسيلة في حضرموت، وغادرت اليمن، ومنها الشركة النرويجية لإنتاج النفط التي أشعرت الموظفين في إبريل/نيسان من العام ذاته بقرار الفصل بدون سابق إنذار وبدون الرجوع إلى وزارة النفط والمعادن اليمنية، التي لها القرار السيادي بهذا الخصوص، كونها شريك رئيس للشركة الأجنبية، والعمالة يمنية 100%.، وفقا لمهندسين شملهم الفصل، مؤكدين لـ”المشاهد” أن الشركة استغلت فرصة الوضع العام في البلد، لتغادر اليمن وتوقف الإنتاج تاركة المعدات المقدرة بملايين الدولارات، التي أضحت طعاماً للشمس وشرابا للرمال، ودون وضع حلول، أو منح تعويضات للعاملين فيها.
ويعود عمل الشركة النفطية في اليمن إلى العام 2000 بعقد مبرم مع الحكومة اليمنية، مناصفة وبمدة زمنية تقدر 20 عاما.