عن سياسة مدّ الجسور الإماراتية..
هاني مسهور
"مدّ الحسور" هذا هو المصطلح السياسي الذي عبر به معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار السياسي لرئيس دولة الإمارات عن نشاط لافت للدبلوماسية الإماراتية، بدأ مع الاتفاقيات الإبراهيمية وامتد بزيارات لكبار مسؤولي الدولة إلى عدة عواصم شرق أوسطية.
استحدثت الإمارات مصطلح "مد الجسور" خلافاً لما كان دارجاً من مصطلحات العلوم السياسية، كفتح النوافذ، وهو التعبير الشائع في غالب الأحوال المماثلة لكن لدى الإماراتيين سياقهم الخاص فيما عبروا به لحراكهم السياسي.
مرت المنطقة العربية بعشرية صعبة تأثرت بموسم ما يسمى "الربيع العربي"، وكان لهذه الفترة متغيراتها التي كان لابد للتعامل مع نتائجها بواقعية إفرازات العقد الصعب من التحولات، وهو ما يقتضي بالضرورة شجاعة في التعامل مع تلكم النتائج التي تسببت في أزمات حادة بين عواصم الشرق الأوسط ووصلت إلى أزمات مع عواصم دولية كان لها حضورها في أزمات المنطقة سواء عبر التدخل المباشر أو غير ذلك من تدخلات عمقت من حدة الخلافات السياسية.
الإمارات لعبت دوراً محورياً من خلال قناعتها برفض مشروع الإسلام السياسي والأهم في رفض التدخل في الشؤون العربية من القوى الأجنبية التي خططت وحاولت توسيع النفوذ على حساب الدول الوطنية العربية، استدركت الإمارات منذ البداية ضرورة ملء الفراغ في الأوطان المستهدفة لعدم تكرار ما حصل مع العراق الذي ترك يواجه مصيره وحيداٍ بعد الغزو الأميركي في 2003 وهو ما تسبب بتصاعد العنف حين استغلت التنظيمات الإرهابية فرصة غياب الدولة بعد أن تم تغذيتها من القوى الإقليمية الراغبة بتوسيع نفوذها على حساب البلاد العربية..
بعودة الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض كان لابد من اتخاذ خطوات سياسية تحافظ على التوازنات السياسية الدقيقة في الشرق الأوسط فسياسات الديمقراطيين خلال الثلاثة عقود الأخيرة متوائمه مع التيارات الإسلاموية وهو ما اقتضى معالجة واقعية لما نتج عن عشرية الربيع العربي بما يضمن أعلى درجات الاستقرار السياسي في المنطقة وهو ما كان من خلال استراتيجية الإمارات بمدّ الجسور السياسية لمواجهة الاستحقاقات السياسية.
تماماً كما يحدث على طاولة الشطرنج فهناك بيادق يجب تحريكها بشجاعة فكل خطوة لها حسابات يجب أن تقرأ جيداً وهناك احتياطات مطلوبة مع الحركة فكل حركة لا تحتمل الخطأ، برغم التعقيدات اتخذت الإمارات الخطوات بمبدأ إنزال الصدمات على المتربصين بالمشهد المعتكر فالخطوة نحو إيران فتحت حواراً مع السعودية وشجعت الرياض وطهران لإطلاق مباحثات استكشافية تتطور ببطء غير أنها تتقدم وانعكست على تخفيف ملحوظ في عدة ملفات كانت إلى ما قبل ذلك مجالاً ساخناً بين البلدين.
الزخم السياسي كان أكثر حيوية وديناميكية بعد أن امتد الجسر ناحية الأتراك فلقد تشجعت القيادة التركية على استدارتها نحو العالم العربي وهو ما انطلق مع انفتاح سياسي بين أنقرة والقاهرة ثم امتد ناحية الرياض، من الواضح أن الإمارات حققت في الملف التركي اختراقاً هاماً من ورائه جرت السيولة السياسية المتدفقة وحققت على الأقل تخفيفاً في التوترات السابقة وتقلص مع التقاربات تيار الإسلام السياسي وهو ما بدأ ينعكس في عملية التسوية الليبية وإن كانت مازالت متعسرة غير أن هناك انفراجه ما حدثت يجب الاستثمار فيها.
دمشق كانت واحدة من أهم الملفات التي حصلت على جسر إماراتي ضمن رؤية القيادة الإماراتية بضرورة ملء الفراغ وأن هذا الملء لابد أن يكون عربياً وألا تترك الفراغات للقوى الخارجية لتملأها، عودة سوريا للجامعة العربية واستعادة الدور السياسي السوري بتطلب معالجات معقدة فالملف السوري ترك على مدى العقد الماضي في دوامة الفوضى واستعادته تحتاج لعمل جاد بالتأكيد على السوريين أنفسهم المبادرة باستيعاب حقيقة أن الحلول يجب أن تبدأ من سوريا.
الجرأة الإماراتية في سياسة مدّ الجسور حققت نقاطاً إيجابية مهمة للاقتصاد الوطني الذي استفاد مؤخراً من بعض التعافي مع تخفيف الإجراءات الصحية على خلفية جائحة كورونا خاصة وأن الموقع الإماراتي في خارطة الاقتصاد العالمي يحفزها لتستعيد عافية الدورة الاقتصادية العالمية والتي أصيبت بانتكاسة أخرى على أثر الأزمة الروسية الأوكرانية.