100 عام على ميلاد مانديلا .. يد بيضاء قهرت العنصرية

السبت 21 يوليو 2018 00:37:29
testus -US
العربية

"تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف ولكن القدرة على التغلب عليه".. هذه واحدة من الحكم المضيئة التي منحها الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا للعالم، الذي يحتفل بمرور 100 عام على ولادته.

فمن هو "ماديبا"، السجين الذي صافح سجانه وغلّب التسامح على الانتتقام واستخدم الشجاعة في قهر الخوف وليس في البطش بخصومه؟

ناضل مانديلا ضد القوميين والعنصريين وانتصر عليهم سلمياً، وأسس لجمهورية تتسع للضحايا والجناة وغلّب المسامحة من أجل السلام، في وقت تنهض فيه القومية والشعبوية من مرقدها وتزداد الدعوات لغلق الحدود ورفض الآخرين والتمييز ضدهم على أسس اللون والعرق والدين.

السجين رقم 46664 في زنزانة بطول 5 أمتار، مكث 27 عاماً في "جزيرة روبن"، وخرج في عام 1990 من السجن الذي دخله شاباً بوجه مغضن وشعر أبيض وعندما لوح بقبضته للملايين من أنصاره وكان يعلن ميلاد حقبة جديدة في تاريخ دولة جنوب أفريقيا ونهاية الحكم العنصري فيها.

لكن لا أحد كان يتصور ماذا سيفعل الزعيم الذي تخفق من أجله ملايين القلوب المحرومة؟ لكنه صافح خصومه ووقف مع سجانه، رئيس جنوب أفريقيا آنذاك فردريك وليم ديكريك، وقال "إن الشعب الشجاع لا يخشى المسامحة من أجل السلام".

عاد مانديلا إلى الحياة السياسية زعيماً للمؤتمر الوطني الأفريقي وترأس أول محادثات مع زعيم التمييز العنصري ومهد الطريق لجنوب أفريقيا حرة وحصل بموجب ذلك على جائزة نوبل للسلام في عام 1993.

زنزانة نيلسون مانديلا

في 10 مايو 1994، دخلت جنوب أفريقيا مرحلة جديدة من تاريخيها وأجريت أول انتخابات فاز فيها مانديلا وبقي فقط 5 سنوات ورفض الترشح لفترة رئاسية جديدة.

لكن انتقال السلطة للأغلبية لم يكن نهاية المطاف.

ورثت حكومة مانديلا بلداً ممزقاً ومليئاً بالكراهية، والتفاوت الكبير في الثروة والخدمات، بين مجتمعي البيض والسود، فمن 40 مليون نسمة عدد سكان البلاد، كان حوالي 23 مليون يفتقرون إلى الكهرباء والصرف الصحي، و12 مليون يفتقرون إلى المياه النظيفة وحوالي مليوني طفل خارج أسوار المدارس وثلث السكان أميون. وبلغت البطالة 33% ونصف السكان يعيشون تحت خط الفقر في واحد من أغنى بلدان العالم بالاحتياطيات المعدنية النفيسة.

لكن مانديلا لم يسلب الثروة من جيوب الأقلية الثرية ولم يؤمم الشركات بل كرس لنظام حكومي حازم من أجل العدالة الاجتماعية وزاد الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم وحقوق الطفل والأمهات الحوامل وخصص ميزانية كبيرة للإسكان لإيواء الملايين من المشردين في أنحاء القُطر.

في عام 1996 أسس نيلسون مانديلا لجنة "الحقيقة والمصالحة" ووضع على رأسها الأسقف الشهير "ديزمزند توتو"، وكان الهدف الرئيس للجنة الوصول إلى المصالحة الوطنية بين الضحايا والجناة بعد تحديد انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت أثناء حقبة التمييز العنصري الذي بدأ في عام 1948.


ورغم الانتقادات الحادة للجنة، لكن تغلبت روح المسامحة التي بثها نيلسون مانديلا في الشعب وأعلن عن ميلاد أمة "قوس قزح" تضم جميع الأعراق، ومختلف الأطياف.

تمثال لمانديلا

انخرط نيلسون مانديلا مدفوعاً ببطاقة التسامح في تكوين أمة جديدة في أقصى القارة الأفريقية تضم السكان الأصليين والبيض من أصول هولندية وإنجليزية وهنود وغيرهم.

ومن أجل تكريس الأمة الجديدة شجع مانديلا "الأفارقة" في جنوب أفريقيا على تشجيع فريق "الرجبي" الوطني "سبرينغبوكس" الذي كان يكرهه في السابق.

وعندما استضافت جنوب أفريقيا كأس العالم للرجبي عام 1995 وبعد فوز سبرينغبوكس في ملحمة النهائي على نيوزلندا، قدم مانديلا الكأس لقائد الفريق "فرانسوا بينار"، وهو يرتدي قميصاً للفريق يحمل رقم 6.

ونظر للحدث بمثابة الخطوة الرئيسية للمصالحة والغفران بين البيض والسود في جنوب أفريقيا وإزالة الحواجز النفسية تجاه التاريخ البغيض.

في عام 1996 انسحب مانديلا من الحياة السياسية مفسحاً المجال لقيادات جديدة وكرس نفسه لمحاربة عدو جديد هو مرض الإيدز ووصف مهمته بـ"الحرب" التي أدت إلى الموت "أكثر من قتلى" الحروب السابقة وحث الحكومة على تقديم اللقاحات مجاناً لمرضى نقص المناعة.

في عام 1999 زار مانديلا قطاع غزة وإسرائيل ودافع عن علاقته بياسر عرفات وقارن بين نضال الفلسطينيين ونضال السود في جنوب أفريقيا وطالب بتقرير بحق تقرير المصير للفلسطينيين وإقامة دولة مستقلة في إطار عملية السلام.

في عام 2007 نظم نيلسون مانديلا في جوهانسبيرغ اجتماعاً لزعماء العالم المؤثرين الذين يريدون المساهمة بخبرتهم في حل مشاكل العالم وأعلن مانديلا، خلال كلمة له، في عيد ميلاده التاسع والثمانين تكوين مجلس "حكماء العالم"، وقال في حفل الافتتاح "سنعمل على دعم الشجاعة حيث يشيع الخوف، وتشجيع التفاوض حيث يدور الصراع، وإعطاء الأمل حيث ينتشر اليأس".

وفي يوم 5 ديسمبر عام 2013 فارق نيلسون مانديلا الحياة وشارك في جنازته الرسمية 90 زعيماً ورمزاً شعبياً.

وبعد يوم واحد من احتفال العالم بمرور 100 عام على ولادة الرجل الذي انهي نظام التمميز، أقرت إسرائيل، الخميس 19 يوليو، قانوناً يمنح اليهود فقط حق تقرير المصير في البلاد، وهو ما يصفه الكثيرون بأنه قانون عنصري ويؤسس للفصل العنصري في مفارقة ساخرة في التاريخ، كما وصفها كثيرون.