تحليل: الحرب النفسية
إذا كانت الحرب التقليدية واضحة وصريحة ومباشرة تستهدف قتل وتدمير الخصم جسديا وماديا...فإن الحرب النفسية التي عادة ما تترافق مع الحرب التقليدية أو تسبقها هي حرب خفية وغير مباشرة وتستهدف قتل الروح المعنوية للخصم.
ليس من السهل وضع تعريفً محدد للحرب النفسية، أو تحديد مجالها، رغم الترجمات والكتابات والاصطلاحات العديدة والمفاهيم المختلفة والمتغيرة التي تناولت موضوع الحرب النفسية.
جاء هذا الاختلاف في تحديد تعريف واضح للحرب النفسية، بسبب أن مجال نشاطها غير متفق على حدوده، فهي لا تعرف حدود الزمان ولا المكان،لإنها تمارس قبل الحرب لإعداد عقول الناس لها، وأثناء الحرب لرفع الروح المعنوية، وبعد الحرب لتدعيم مكاسبها وترسيخها، تمارس عبر الأثير، وتنطلق لتجوب العالم كله، وهي وإن كانت لا تستخدم الأساليب العسكرية إلا أن تأثيرها قوي في النيل من معنويات الخصم وعزيمته وإضعاف إرادته.
كذلك فإن الحرب النفسية ذات طبيعة مستترة، فهي تعمل في الخفاء ومن وراء ستار ولا تظهر بصورة علنية وواضحة، وقد تمارس في شكل خبر أو قصة أو واقعة أو رواية أو مسرحية أو شائعة.
لذلك تعتبر الحرب النفسية أخطر من الحروب التي يُستخدم فيها العنف، وقد أوضح تلك النقطة القائد الفرنسي نابليون بونابرت حين أكد أن حرب العقل أقوى من حروب الأسلحة، وأضاف أن هناك قوتان فقط بالعالم العقل والسيف، وعلى المدى الطويل، العقل دائمًا ما ينتصر على السيف.
الحروب النفسية المعتمدة على الحملات الدعائية، التي يمكن تمريرها بسهولة عبر الشبكة العنكبوتية، أصبحت أكثر أنواع الحروب النفسية خطورة وتأثيراً، بسبب الارتباط النفسي للبشر بالتكنولوجيا في عصرنا الحديث، الأمر الذي جعلهم هدفًاً أسهل والوصول إليه أصبح أسرع.
توجه الحرب النفسية التي هي أحدث أسلحة الحرب ضد، الفكر والعقيدة والثقة والشجاعة والمشاعر، وهي حرب دفاعية وهجومية وذلك لأنها تحاول أن ترفع معنويات الشعب والجنود ، بينما تحطم في الوقت نفسه معنويات العدو أو أي مجموعات من الناس، والحرب النفسية جزء من الحرب الشاملة تشن قبل الحرب، وفي أثنائها، وبعدها، ثم أنها لا تخضع لرقابة القانون ولا لعادات الحرب، ولا تعرف على أساس وصف الأرض أو نظام المعركة، أو تبعاً لمعارك لها أسماء فهي عملية مستمرة.
تستخدم في ذلك الدعاية، وبث حالة الاندفاع لدى أبناء المجتمع العسكريين والمدنيين للتمسك بقضيتهم وبحقوقهم التي يحاربون من أجلها، وبيان ضرورة كسب الحرب، مع الاستعانة بإثارة المشاعر الوطنية والقيم الدينية، والأخلاقية، والعودة للمفاخر التاريخية التي تزكي قيمة الدفاع عن العقيدة والمقدسات والعمل على حمايتها، وكذلك تستخدم في الحرب النفسية العديد من الوسائل، كالخطب والأناشيد والأغاني والموسيقى الحماسية، وغير ذلك مما يدخل في نطاق الحرب النفسية الحديثة.
ولتحقيق ذلك، فلا بديل عن العمل الجاد الذي يأخذ في اعتباره الاستفادة من كل معطيات العصر، واستثمار متغيرات الحياة الحديثة في هذا الصدد، ولا سيما أن القوى المعادية تعتمد في حربها النفسية، على ما تملكه من أجهزة حديثة ووسائل متقدمة، مستثمرة في ذلك فنون الاتصال وتقنياته للسيطرة على الرأي العام وغسل الادمغة، وتكوين الاتجاهات المتوافقة مع فكرها وأيديولوجياتها.