باقتراضها لحل أزمة المرتبات.. حكومة بن دغر تحتضر
رأي المشهد العربي
على الرغم من الشروط الدولية التي ستزيد من معاناة الشعب اليمني تتجه حكومة أحمد بن دغر للاقتراض من البنك الدولي لحل أزماتها الاقتصادية وعلى رأسها دفع الرواتب المتأخرة لموظفي جميع المصالح الحكومية في مختلف أنحاء الدولة بما فيها المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي الانقلابية.
ونتيجة الحرب، شهدت الموازنة العامة أزمة سيولة خانقة أعاقت دفع حتى رواتب موظّفي الدولة. ويعيش نحو مليون موظف حكومي في صنعاء وبقية المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، في معاناة منذ أن توقفت رواتبهم في شهر سبتمبر 2016.
وأوضحت وزارة التخطيط، أن رواتب 33.1 في المائة من 124.015 ألف متقاعد توقفت منذ مارس 2017. كما توقّفت نفقات تشغيل مؤسسات الدولة ومرافق الخدمات الاجتماعية الأساس مثل التعليم والصحة والمياه، ما أثّر بقوة في استمرارية وجودة الخدمات العامة، فضلاً عن تعذّر تسديد فوائد الدين العام المحلي، ما عرّض القطاع المصرفي للخطر.
ويواجه السكان، الذين يستوردون 85% من الغذاء، مجاعة ما تزال وشيكة، فيما يعجز المصرف المركزي عن توفير العملة الأجنبية لاستيراد السلع الأساسية، ما يزيد من احتمال ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية.
وأظهرت بيانات صادرة عن البنك الدولي، في يناير الماضي، انكماش الناتج المحلي الإجمالي لليمن بنسبة 37.5% منذ عام 2015، وأن نحو 8.4 ملايين شخص على بعد خطوة من المجاعة خلال 2018، ما لم تصلهم مساعدات غذائية عاجلة بحسب برنامج الأغذية العالمي.
فشل حكومي
ويرى مراقبون أن فشل حكومة بن دغر، والغالبية من وزراءها، يؤثر سلبياً، على على المسار السياسي العام، وكذلك المسار العسكري والأمني في البلد، خاصة وأن التركيز الدولي، متعلق بأداء الحكومة، ومدى قدرتها على العمل من أجل ترسيخ أساسيات ” السلام والأمن” وهما العاملين اللذين لا يمكن تحقيقهما، إلا من خلال استقرار أجهزة الدولة، وعودتها للعمل، وتوفير أساسيات الحياة والخدمات للشعب.
وأخفقت حكومة بن دغر في العديد من الملفات الاقتصادية والإدارية واستشرى الفساد في أغلب مفاصل الدولة اليمنية بشكل يعرقل عجلة التنمية، ولولا الدعم الكبير من دولة الإمارات للملف الأمني لكان هو الآخر انهار.
والإخفاق الذريع في الملف الاقتصادي جسدته حكومة بن دغر، لتسجل نفسها في قائمة العجز، ملتحقة بحكومات الفشل المتعاقبة التي تولت زمام الحكم في اليمن خلال العقود الماضية.
ويعاني الاقتصاد اليمني تدهوراً كبيراً نتيجة تراجع الإنتاج والفساد الإداري، ما جعله يصنف بين البلدان التي تعاني شعوبها من الفقر والمجاعة.
ويؤكد مراقبين، أن حكومة بن دغر، قدمت بفشلها، وأسلوبها الذي تتعامل به مع المحافظات المحررة، ورقة دعم سياسية للانقلابيين، لم يحلموا بها، خاصة بعد هزيمتهم التي لاقوها ميدانيا في المحافظات المحررة.
موارد متاحة ومهدرة
وتستطيع الحكومة الاعتماد على موارد هامة لتنمية الاقتصاد منها قطاع النفط الذي أُكتشف منتصف ثمانينيات القرن الماضي إذ تشكّل العائدات النفطية 70% من موارد الموازنة العامة للدولة، و63% من إجمالي صادرات البلاد، و30% من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن الفشل الإداري جعل الحكومة عاجزة عن الاستثمار وتنمية هذا القطاع الهام والذي يعتبر مورد رئيسي لسلّة النفقات العامة تشكل عائداته 90% من النقد الأجنبي.
ومع أنّ الإيرادات الضريبية تمثّل مورداً حيوياً للموازنة العامة (7.3% من الناتج المحلي كمتوسط سنوي إلا أنها بسبب الفساد، تظل دون المستوى المطلوب.
وعلى الرغم من أن اليمن عُرف منذ القدم بالزراعة وارتبط ذلك بالتنوّع المناخي الفريد، حيث يستقطب القطاع الزراعي أكثر من 50% من القوى العاملة، كما ارتفعت مساهمته في الناتج الإجمالي الخام من 13.43% إلى 14.77% .
وتشير الدراسات والمسوحات الجيولوجية (المحدودة) إلى تنوع هائل وواعد في المعادن التي يختزنها باطن الأرض (الإسمنت، السيراميك، الزجاج، الذهب، النيكل، النحاس، والكوبالت، الزنك، الفضة، الرصاص، الحديد، وأحجار البناء والزينة...)، بحسب تصريح القائم بأعمال هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، الدكتور عامر الصبري.
وتؤكّد هيئة المساحة الجيولوجية أنّ احتياطي خامات المعادن الصناعية تتجاوز 900 مليون طن، وبعض الخامات تتجاوز التريليون، فضلاً عن قرابة 24 موقعاً استكشافياً للذهب باحتياطي يقدّر بحوالي 100 مليون طن. ومع ذلك، لم يلعب هذا القطاع حتى الآن الدور المطلوب في النمو الاقتصادي نتيجة الإحجام عن الاستثمار وعدم تقديم تسهيلات من الحكومة.
ويبلغ عدد سكان اليمن نحو 24 مليون نسمة، نصفهم يعيش تحت خط الفقر (على أقل من دولارين في اليوم)، وتقدر نسبة البطالة بنحو 35% من إجمالي السكان، وتتركز بدرجة عالية في أوساط الشباب (يمثلون ثلث السكان) بنسبة تتجاوز 60%.
فساد إداري
وأما عن الفساد الإداري فحدث ولا حرج فقد ذكر تقرير حكومي أن اليمن خسر 10 مليارات دولار نتيجة الفساد المستشري في كل مرافق ومؤسسات البلاد .
وأوضح التقرير أن مظاهر الفساد تمثلت في خصخصة مؤسسات وأصول حكومية بمبالغ زهيدة تمثل أقل من 25% من قيمتها الحقيقية، ونهب الأراضي، ومنح إعفاءات ضريبية وجمركية لمشاريع وهمية ونافذين.
وطال الفساد العديد من الوزرات والهيئات وقد كشف ذلك مذكرة مسربة وجهها محافظ البنك المركزي اليمني محمد زمام، إلى رئاسة الحكومة، عن الأسباب التي أدت إلى حدوث أزمات في دفع مرتبات موظفي الدولة.
وأكدت المذكرة تسرب كثير من الأموال التي تصرف خارج إطار الموارد الحكومية، فضلاً عن الرواتب الباهظة للوزراء والنواب والمساعدين لهم.
ويتجلى الفاسد المالي والإداري في السرقة المتواصلة لأموال المساعدات من الدول المناحة والدعم الهائل للكهرباء المنقطعة باستمرار بفضل الفساد، كما وصل الفساد للاستحواذ على المنح الدراسية لأبناء النفاذين دون بقية الطبقة الكادحة.
إنجازات وهمية إعلامية
ودائما تظهر حكومة بن دغر، بإنجازات إعلامية اكتظت بها الصحف والمواقع الإخبارية التابعة لها، في أكبر عملية تزوير في تاريخ الشعوب.
حيث يعاني الناس في المحافظات المحررة، من انهيار الخدمات بشكل كامل، وغياب الدور الحكومي، وجمود وزارات سيادية وغير سيادية، كما لو أنها اختفت من الهيكل الحكومي .
الإنجازات والأرقام الإعلامية التي أبرزتها وسائل إعلام يمنية ورسمية، والتي بلغت مليارات الريالات، وملايين الدولارت، وتحدثت عن إنجازات ومعالجات، لا تعدو كونها من نسج الخيال والسراب، وهو ما يؤكده الواقع المزري اليوم في كل المحافظات المحررة.
ورغم إظهار حكومة بن دغر، لإحصائيات عن إنجازاتها وأرقام مذهلة، جعلت القارئ يندهش منها، إلا أن تلك الاحصائيات والأرقام كشفت عن حجم الفساد والإنجازات الإعلامية التي لا وجود لها أرض الواقع.
وسخرت حكومة "بن دغر" خلال الفترة الأخيرة، ملايين الريالات لشراء ولاءات صحف ومواقع إخبارية، وذمم صحفيين، لتلميع صورة الحكومة الفاشلة بكل بجاحة واستهزاء واستفزاز للناس الذين باتوا يعانون الأمرين من هذه الحكومة.
ويرى سياسيون ومراقبون، أن على الرئيس هادي، أن يقوم بخطوات جريئة، للتخلص من مظاهر فشل الحكومة، ووضع النقاط على الحروف، بعيداً عن الاستقطاب الفاشل، أو المحاباة للأحزاب السياسية، كون المرحلة تتطلب عملا جدياً، في مثل هذه المرحلة الاستثنائية، التي تحتاج إلى عمل ميداني لمعالجة ما ألحقته الحرب، وليس لتصريحات إعلامية من الحكومة، قد مل الشعب من سماعها ردحا من الزمن.
كما يرى المراقبون أن الموارد الموجودة قل أن تجتمع لبلد لكن لا ينقصها سوى إدارة على نحو يحقق التنمية الشاملة العادلة لجميع السكان، وليس لفئة محدودة نافذة قريبة من دوائر السلطة، ما يجعل المانحين لليمن والمستثمرين فيه على السواء ومن قبلهم إدارة البلاد الحالية أمام مسؤولية استثمار هذه الموارد على الوجه الذي يفجر الطاقات الاقتصادية الهائلة التي تغني البلاد عن شر الاقتراض.