السفير السعودي في واشنطن يدعو إلى مواجهة سلوك إيران العدواني
دعا الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، إلى مواجهة سلوك إيران العدواني، بدلاً من استرضائها. وحذّر في مقال نشرته الشقيقة «عرب نيوز»، ونشرت «الشرق الأوسط» ترجمته العربية على موقعها، أمس، من تكرار خطأ التعامل مع النازية خلال بدايات صعودها في ثلاثينات القرن الماضي. ورحب السفير السعودي في مقاله «بتأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن الولايات المتحدة لن تتعامل مع إيران بشيء من سياسات الاسترضاء التي فشلت فشلاً ذريعاً في إيقاف توسع ألمانيا النازية أو تلافي الحرب الأكثر كلفة في التاريخ الإنساني»، داعياً إلى «دعم استراتيجية أوسع لمعالجة سلوك النظام الإيراني المزعزع للاستقرار».
واعتبر أن العالم يعيش «في فترة تشهد ظروفاً تذكّرنا بأحداث ثلاثينات القرن الماضي التي سبقت الحرب العالمية الثانية، حيث يعيش العالم تداعيات أزمات اقتصادية، ويشهد انقساماً سياسياً حاداً من اليمين المتطرف إلى اليسار المتشدد، وتغيب فيه قدرة مؤسسات المجتمع الدولي على العمل المشترك الفعال للتصدي للأزمات الدولية، وكما هو الحال في النصف الأول من القرن العشرين، تسعى القوى التوسعية اليوم لملء الفراغ من خلال نشر آيديولوجيات الكراهية والعنف، وهو أمر يستوجب على المجتمع الدولي العمل بحزم لمواجهة هذه التحديات. ولا شك أننا حينما نرى سياسات استرضاء إيران التي أثبتت فشلها فإن ذلك يعيد إلى الأذهان ما رأيناه في مواجهة ألمانيا النازية. وكما جاء في المقولة الشهيرة للفيلسوف جورج سانتيانا: أولئك الذين لا يتذكرون التاريخ محكومٌ عليهم بتكراره».
وأشار الأمير خالد بن سلمان إلى أنه «بغض النظر عن نيات الدول الموقّعة على الاتفاق النووي، فإن هذا الاتفاق وما تضمنه من تخفيف للعقوبات الاقتصادية على إيران، لم يضع حداً لأنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة ورعايتها للإرهاب، بل ساهم من خلال منح النظام الإيراني المزيد من العوائد المالية، في تعزيز أنشطة إيران التوسعية في المنطقة». ورأى السفير السعودي في واشنطن أن «الاتفاق كان جزءاً من منهج الاسترضاء الذي كان سيؤدي إلى نتائج كارثية في المنطقة لو استمر، فخلال فترة الاتفاق، قام النظام الإيراني بزيادة الدعم المالي والعسكري لنظام بشار الأسد، من دون أي رادع من المجتمع الدولي، ومن دون أي عقاب على جرائم النظام الإيراني في سوريا، لا بل تم إعطاء النظام الإيراني دوراً في المفاوضات السياسية المتعلقة بسوريا. وكما هو متوقع، فإن ذلك لم يحقق السلام في سوريا، ولم يغيّر السلوك الإيراني، بل زادت إيران من أنشطتها العدائية التخريبية في سوريا وفي سائر المنطقة».
وأضاف: «مهما كان الموقف تجاه الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، يجب علينا جميعاً أن نعمل على تحقيق المهمة الأكبر المتمثلة في إيقاف إيران وأتباعها عن استمرارهم في نشر الفوضى والدمار في المنطقة، وهو أمر يدركه القادة الذين حاولوا إنقاذ الاتفاق النووي... بما أنه اتضح جلياً للمجتمع الدولي فشل سياسة استرضاء إيران في تغيير تصرفاتها، فيتعين علينا النظر إلى أوجه التشابه العديدة والمثيرة للقلق بين عامي 2018 و1938 (بدء التوسع العسكري للنازية في أوروبا) كي نستفيد من دروس التاريخ وعِبَره في التعامل الدولي مع الخطر الداهم المتمثل بأنشطة النظام الإيراني التوسعية ورعايته للإرهاب».
ولفت الأمير خالد بن سلمان إلى أن «التهديد الذي تشكّله إيران اليوم متغلغل في جذور النظام الإيراني، فالدستور الإيراني يدعو إلى نشر الثورة الإيرانية في العالم ويسمي ذلك جهاداً. ومنذ أيامه الأولى حضّ الخميني أتباعه على غزو الأراضي الإسلامية وغير الإسلامية على حدٍّ سواء». وأوضح أن «آيديولوجيا النظام الإيراني تعتمد على مبدأ ولاية الفقيه، وأن يكون النظام السياسي مبنياً على وصاية هذا الوليّ، حيث يتوجب طبقاً لهذا المبدأ أن يدين الشعب بولائهم لفقيه ديني يصبح أيضاً القائد الأعلى، بغض النظر عن جنسيات من يفترض أن يتبعوه أو دولهم أو نوع حكوماتهم. وتهدف هذه العقيدة التي تتخطى حدود الدولة الوطنية إلى تقويض نفوذ الحكومات الشرعية، وهو مبدأ لا يعترف بالنظام الدولي أو مفهوم الدولة الحديثة. ولكن هل مبدأ ولاية الفقيه هو مبدأ ديني بالفعل كما يدّعي النظام الإيراني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يخرج لنا ولي فقيه من المراكز الدينية في العراق ويدين الشعب الإيراني بالولاء له في المقابل؟».
وأكد أنه «بعد قرابة أربعة عقود من ممارسات النظام الإيراني العدائية، أصبحنا نعرف قواعد اللعبة الإيرانية. فإيران تعزز الطائفية في المجتمعات لشقّ الصفوف بين أبنائها، وهذا يؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدول وتفككها، وحينها تتحكم إيران بهذه الدول عبر الميليشيات التابعة لها».
ونبه الأمير خالد بن سلمان إلى أن «انعدام ردود الفعل الدولية الجادة والحازمة تجاه هذه الأنشطة، بالإضافة إلى الخطوط الحمراء التي وضعت ثم اختفت في سوريا، جعل النظام الإيراني يعتقد أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مكبّلا الأيدي وليس لديهما سوى عبارات الإدانة كردّ على أفعال النظام العدائية. تغير هذا الأمر اليوم ونحن نعتقد أن الرئيس ترمب جاد حينما يقول إن الولايات المتحدة لم تعد توجّه تهديدات فارغة». وأضاف أن «ما نشهده اليوم في المنطقة جاء نتيجة لسياسة الاسترضاء التي اتّبعها المجتمع الدولي للتعامل مع خطر مستقبلي لم يتحقق في إيران، المتمثل في برنامجها النووي، وتساهله في التعامل مع الخطر الإيراني الموجود والنابع من برنامج إيران للصواريخ الباليستية ودعمها للإرهاب وتدخلها في شؤون دول المنطقة».
وحذر من «التملق والنفاق» اللذين يبديهما الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، بهدف «خداع العالم بالحديث عن الإصلاحيين الذين قد يحلون يوماً ما مكان المتشددين، رغم أن روحاني جزء من نظام القمع والتطرف... بعد مرور خمسة أعوام من رئاسة روحاني، لم تجلب سياسة التهدئة التي اتخذها الغرب لتمكينه أي خير للشعب الإيراني أيضاً».
وأشاد بـ«الشعب الإيراني المتحضر والمثقف الذي يفتخر بتاريخه العريق ويريد لنفسه مثلما نريد جميعاً، يريد حياة أفضل ومستقبلاً أفضل. لكن كما أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فمنذ توقيع الاتفاق النووي لم يستثمر النظام الإيراني في أي مشروع مدني أو تنموي كبير».
وتابع: «نجد اليوم أن أولئك الذين لم يتعلموا من التاريخ ينصحوننا بالسماح للإيرانيين بالتلاعب بالمنطقة بأكملها سعياً منهم إلى الحفاظ على الاتفاق النووي الذي لم يفعل شيئاً لحل مشكلات المنطقة. إن النهج الأكثر حكمة وأخلاقية في نهاية المطاف هو الضغط على إيران ومواجهتها لتعديل سلوكها على الفور. وكما أكد ولي العهد مراراً وتكراراً، فإن التصدي لقوى العدوان قد يستلزم المزيد من التكاليف على المدى القصير، ولكنها الاستراتيجية الحقيقية الوحيدة الكفيلة بمنع التهديدات الخطيرة من التفاقم لتتحول إلى صراعات أشد فتكاً. وأكرر ما قاله ولي العهد في باريس مؤخراً في مؤتمر مع الرئيس الفرنسي ماكرون: لن نكرر اتفاقية عام 1938 التي أدت في وقت لاحق إلى الحرب العالمية الثانية». ونوه إلى أن «اتّباع منهج الاسترضاء هذا سيؤدي إلى فقدان دول المنطقة الثقة بالقانون والأعراف الدولية، إذ ستدرك دول المنطقة أن استخدام الميليشيات بالوكالة يمكن أن يكون أداة فعالة للسياسة الخارجية من دون أي رادع من المجتمع الدولي، وأخشى أن تتغير الدول وتتكيف مع هذا الواقع الجديد الذي قد يدفع المنطقة والعالم نحو الأسوأ. فلا يمكننا إلقاء المسؤولية على الغير والوقوف مكتوفي الأيدي على أمل أن تتحسن الأمور. فالالتزام بسياسة صارمة لكبح النظام الإيراني، وكل نشاطاته العدوانية، هو ما سيُجبر النظام على الامتناع عن هذه التصرفات وليس مجرد الأقوال من دون أفعال».
وشدد السفير على أنه «يجب أن ينضم العالم إلينا لمواجهة النظام الإيراني بجدية وإرادة. يجب أن يعلم النظام في إيران أنه سيدفع الثمن إذا استمر في انتهاك القانون الدولي وواصل تدخلاته في شؤون جيرانه. تجب معاقبة النظام الإيراني اقتصادياً ودبلوماسياً مع الحفاظ على جميع الخيارات على الطاولة لضمان قوة الدبلوماسية وفعاليتها، وهو ما يلزمنا بدعم مؤسسات الشرعية في دول المنطقة - في اليمن والعراق وغيرهما - في الوقت الذي تحارب فيه هذه الدول وكلاء إيران الإرهابيين. فقط هذا المسار سيسمح بالتقدم والنمو والازدهار في جميع أنحاء المنطقة، والمملكة العربية السعودية ملتزمة بدورها في مواجهة الشر. ما نحتاج إليه هو أكبر عدد ممكن من الشركاء».
وأضاف الأمير خالد بن سلمان أن أتباع آيديولوجيات الإرهاب والتطرف والعنف هم أقلية صغيرة في كلٍّ من المملكة العربية السعودية وإيران، لكن الفرق أنهم في المملكة إرهابيون يفرون من العدالة بينما في إيران هم من يديرون البلاد.