تعز في ظل حصار الميليشيات.. وضع معيشي صعب ومعاناة لا تنتهي

السبت 28 يوليو 2018 09:47:44
testus -US
نقلاً عن "الاتحاد" الإماراتية"

تقرير / أمة الرحمن الإغواني

لم تعان محافظة يمنية كما عانت تعز على كافة المستويات، استهدفتها الميليشيات الحوثية الإرهابية بكافة الأسلحة على مدى ثلاث سنوات من الحرب ولا تزال، فرضت عليها حصاراً من كافة الجهات، عُدَّ الأسوأ في تاريخ البلاد، ومن أكثر حصارات العالم سوءاً وكارثية، تعيش تعز أوضاعاً متأرجحة على المستوى العام، وبالأخص فيما يتعلق بحياة الناس وما يضمن لهم ديمومة استمراريتهم في الحياة في ظل الوضع المعيشي الصعب ومعاناة الحرب التي لا تنتهي.

الوضع متفاوت ليس بمقدور الناس هنا أن يلامسوا الاستقرار بكل جوانبه، الكل يدرك حقيقة ما يجري، وقد طوّع نفسه للتكيف مع الوضع ومستجداته مهما كانت التكلفة، موت من كل الجهات بسبب الحصار المفروض والقذائف التي لا تتوقف، وموت على مستوى المعيشة بسبب ندرة الحملات الإغاثية وارتفاع كلف السلع الغذائية الأساسية.

فبعد أن استطاع الجيش الوطني بأسناد من التحالف العربي فك الحصار عن المدينة من الجهة الغربية، وأصبح الخط الواصل بين تعز وعدن متاحاً، فإن الحالة الإغاثية تحسنت إلى حد ملموس، لكنّ ذلك ليس كافياً بالصورة التي يمكن من خلالها الحكم على تحسن الحال بشكل نهائي.
وفي هذا العام، يحاول الأهالي مواجهة وضعهم بما يستطيعون، فالأسعار تضاعفت بشكل هستيري، بسبب تهاوي العملة المحلية التي وصلت إلى 500 ريال مقابل الدولار الواحد بزيادة 100% عن العام الماضي، وهو ما زاد من كارثية الأوضاع المعيشية في ظل ارتفاع متواصل للسلع الأساسية والاحتياجات الضرورية للعيش.

لا حياة لمن تنادي
«لا حياة لمن تنادي» هذا الوصف الدقيق تبوح به امرأةٌ مسنّة من وسط تعز لـ«الاتحاد»، فالحي الذي تقطنه لم يتلقَ مساعدات، بالشكل الكاف في ظل الاعتداء المستمر للحوثيين على المساعدات وقطع طرق الامداد، تعيش لول، مع ذويها أوضاعاً معيشيةً صعبة، حيث لم تصلها أي مواد إغاثية على مدى سنوات الحرب والحصار، رغم أن ذات الحي يتواجد فيه موظفون لعدد من المؤسسات والمنظمات العاملة في المجال الإغاثي والإنساني.

أما علي أحمد، وهو نازح من مناطق المواجهات بتهامة فيقول لـ«الاتحاد» بأن ما يزيد من 100 أسرة نازحة من مديريات محافظة الحديدة يواجهون ظروفاً كارثية، فالوضع العام في مدينة تعز يجعل نازحي تهامة في سلة مهملة رغم محاولاتهم الحثيثة التي لا تجد الاستجابة المطلوبة حتى اللحظة إلا من تعاون المستطيعين بتوفير بعض الاحتياجات الضرورية. ويناشد كافة المعنيين والمهتمين بالنازحين في تعز سرعة توفير الاحتياجات الضرورية خاصة في ظل تفاقم الوضع في محافظتهم التي تواجه ظروفاً معقدة بسبب الحرب.

تعز تدفع الثمن
يتفق الجميع على أن تعز دفعت الثمن الأكبر في هذه الحرب، واعتبر الناشط إبراهيم الجبري منسق قافلة «التحدي» الإغاثية بتعز أن سكان المدينة يواجهون أوضاعاً إنسانية واقتصادية صعبة جراء الحرب، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية والطبية وانعدمت المشتقات النفطية والغاز وتوقفت الكثير من المستشفيات والمؤسسات الخدمية فيما عدد كبير من سكان محافظة تعز يشتكي من ندرة المياه والمواد التموينية، ودائماً ما تحذر المنظمات الدولية عبر تقاريرها من الوقوع في كارثة إنسانية تهدد سكان المحافظة البالغ عددهم أكثر من 4 ملايين نسمة، في ظل تفاقم الوضع الصحي والبيئي وتفشي مرض «حمى الضنك» بشكل كبير والكوليرا والكثير من الأمراض، ويسرد الناشط الجبري لـ«الاتحاد» أسباب تعاسة تعز حسب قوله:

كل هذه الأوضاع الإنسانية نستطيع أن نقول إن لميليشيات الحوثي المحاصرة للمدينة اليد الطولى في زيادة المعاناة، كما أني أريد أن أقول بأن تعز خلال 3 سنوات كانت أتعس مدينة يمنية، حاصرها الحوثيون من الخارج، ونستطيع أن نقول في كل حرب، يوجد من يطلق عليهم «تجار الحروب»، ويتكاثر عددهم حين تغيب مؤسسات الدولة، كما هو حال الحرب الراهنة على اليمن وعلى تعز تحديدا.

وأضاف منسق قافلة التحدي إن «الوضع الإنساني في اليمن أكبر من تقرير وإحصائية فلا توجد أدنى وأبسط مقومات الحياة، إن ملامح اليمن في عامها الثالث من الحرب والحصار والدمار الممنهج قد تغيرت بصورة كبيرة، وبات الخبز والدواء هو جل ما يحلم به المواطن في الكثير من المدن، نحن بتنا لا نستحضر سوى المآسي في ظل الكثير من المناشدات والقليل من الدعم والمنظمات الفاعلة أيضا، عدا القليل من المنظمات والمبادرات الشبابية التي كان لها دور رغم شح الإمكانيات والطرق الشاقة إلا أنهم حاولوا عمل شيء في الوقت الذي لا توجد حلول حقيقية للتخفيف من الأزمة الإنسانية عبر المنظمات الدولية أصلا».

أوضاعٌ متقلبة
أحمد الصهيبي مدير إعلام ائتلاف الإغاثة الإنسانية بمحافظة تعز يتناول حقيقة الوضع في تعز بناءً على معطيات ومؤشرات رقمية حيث يقول للاتحاد: منذ عام ونصف يعيش الموظفون الحكوميون أوضاعاً إنسانيةً بالغة السوء، جراء توقف صرف رواتبهم الشهرية، وعلى الرغم من عودتها التدريجية مؤخراً، إلا أن المؤشرات لا تنبئ عن توجه جاد بتسليم هذه المستحقات في كل شهر، عوضاً عن تسليم رواتب الأشهر الماضية من العام 2017.

وعن معاناة اليمنيين في تعز يضيف الصهيبي: حالياً، هناك ارتفاع نسبة الحاجيات المتطلبة للمنازل، وخاصة الأدوات المنزلية ومواد التغذية المختلفة، وما تشهده تعز هذا العام، من ارتفاع الأسعار بصورة جنونية مع انخفاض سعر صرف العملة المحلية، وانهيارها إلى أدنى مستوياتها، حيث لم تشهد العملة اليمنية هذا الانهيار منذ زمن بعيد، إضافة إلى ذلك، يفتقد السوق المحلي العديد من السلع الغذائية والكماليات المختلفة، مع استمرار الحصار المفروض على المدينة من 3 اتجاهات مختلفة، فيما لم يفتح لها سوى منفذ وحيد فقط، في جهتها الجنوبية الغربية في مارس من العام 2016، ما يؤدي أيضاً إلى ارتفاع نسبة الأسعار هو تكاليف النقل الباهظة التي يتحملها التجار أثناء نقلهم للبضائع المختلفة القادمة من مدينة عدن جنوبي البلاد، حيث يسلكون طرقاً وعرة جداً لمسافات طويلة تكلفهم الكثير، في حين كانت المسافة بين مدينتي عدن وتعز في السابق لا يتعدى فيها المسافر 3 ساعات فقط.

مأساة لا تستثني أحداً
الوضع الإغاثي في تعز آخذ في التفاقم بصورة مريعة، وهو ما يعني معاناة متزايدة على كافة المستويات، وبدون وجود آليات واضحة وإغاثة دائمة ووضع حلول اقتصادية ناجعة تضمن الاستقرار في العملة المحلية وانخفاض أسعار المواد الأساسية فإن المواطنين في تعز خاصة واليمن عامة يذهبون على نحو من السرعة نحو مجاعة حتمية وهو ما يستدعي سرعة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والقضاء على ميليشيات الحوثي قبل أن ينفرط العقد ويزيد حجم المأساة التي لم تستثنِ أحدا.