الحديدة.. مدينة السلام تنتظر الخلاص من اللعنة الحوثية

الأحد 29 يوليو 2018 11:28:14
testus -US

لم تكن تعرف هذه المدينة المسالمة في أحضان البحر الأحمر (نحو 225 كيلومتراً غرب صنعاء) أن «اللعنة الحوثية» التي حلّت على حين غرة، كما فعلت بصنعاء وغيرها من المدن والمحافظات اليمنية، ستقودها إلى هذه الهاوية السحيقة، حيث الخنادق المعبأة بالموت وسط أحيائها المفخخة بمخازن الأسلحة والقناصة.

المدينة التي كانت تعد متنفساً لأغلب سكان المحافظات الشمالية، أصبحت منذ سيطرت عليها الميليشيات الحوثية قبل أكثر من ثلاث سنوات، وجهة لكبار مشرفي الجماعة ومسلحيها القادمين من صعدة وعمران وصنعاء وذمار، حيث باتت نهباً لهم بمزارعها وبناياتها ومصالحها الحكومية وإيرادات مينائها الذي يعد ثاني أكبر موانئ البلاد. فكيف يعيش أهاليها مع الدخلاء الحوثيين وقناصتهم وألغامهم وخنادقهم؟

يقول (محمد.ف) أحد الموظفين في ميناء الحديدة، في حديث : «لقد مللنا تعسفات الجماعة وقياداتها، منذ أن سيطروا على الميناء، أضافوا أكثر من 200 عنصر من ميليشياتهم إلى قوام العاملين الأساسيين، وباتوا هم الذي يحصدون القسم الأكبر من إيرادات الميناء بقيادة المشرف (أبو علي)».

أما زميله (ن.ج) فيؤكد بدوره أن أغلب الموظفين ينتظرون اللحظة المناسبة، فقط للقضاء على الوجود الحوثي في الميناء، حيث ضاق به الناس ذرعاً، لكن الخوف من القمع والتنكيل -كما يقول- هو الذي يَحول بينهم وبين الانتفاض في وجه الجماعة التي تدّعي زوراً أنها تقاتل من أجل سكان المدنية.

أغلب الشوارع الرئيسة المؤدية إلى جنوب المدينة وغربها باتجاه الميناء، أغلقتها الجماعة الحوثية بالسواتر الترابية والإسمنتية، في حين أحاطت محيط المدينة من الشرق والجنوب بعشرات الخنادق، خلال الشهرين الأخيرين، في مسعى منها لإعاقة تقدم قوات الشرعية.

يشير أحد السكان، إلى إحدى العربات العسكرية التي تسير بسرعة جنونية في الجوار، قائلاً: «هذه الجماعة لا تعبأ بحياة السكان وغير مقتنعة بأن أغلب أبناء الحديدة لا يطيقونها». ويضيف: «يحشدون لفعالياتهم ومسيراتهم بالقوة مستعينين ببعض أعوانهم من سكان المدينة الذين سقطوا في وحل إغراءات الجماعة».

قبل نحو أسبوع، يقول (سعيد.م) وهو أحد موظفي القطاع الطبي: «امتلأ المستشفى العسكري في المدينة بعشرات الجثث لشبان استدرجتهم الجماعة إلى أحد معسكرات التدريب في الأرياف الشرقية لمحافظة الحديدة، بعد أن منحتهم مبالغ ضئيلة وكالت لهم الوعود الوردية، حتى أتت طائرات التحالف على المعسكر فأصبح أثراً بعد عين».

لم تعد الحركة متاحة كما هو معتاد في شوارع المدينة، إذ تنصب الجماعة الحوثية عشرات من نقاط التفتيش، للتحقق من هويات المارة والتضييق عليهم، وحسب تأكيدات شهود أصبح أغلب المباني الحكومية المدنية والعسكرية مواقع لمبيت عناصر الميليشيات، إضافة إلى عشرات الفنادق والعمارات السكنية.

تسخّر الجماعة الحوثية لعناصرها إمكانات المدينة كافة ومؤسساتها، في الوقت الذي يفتقر السكان في صيف الحديدة القائظ إلى الكهرباء اللازمة من أجل تشغيل المكيفات والمراوح، لكنهم مع ذلك يفضلون كما يقول «إبراهيم.ك» أحد مالكي المتاجر، لزوم منازلهم واعتلاء أسطحها ليلاً، في حين يحاولون قدر استطاعتهم عدم الاختلاط بعناصر الميليشيات الذين يجولون في الشوارع زرافات ووحداناً، حيث أسواق القات والمطاعم التي ما زالت مشرعة أبوابها لهم.

مع بدء عملية «النصر الذهبي» التي أطلقتها القوات المشتركة بدعم من التحالف العربي، استبشر أغلب سكان المدينة، بساعة الخلاص من تعسف الجماعة وبطشها، مراهنين على استعادة مدينتهم بحياتها وضجيجها وخدماتها، غير أنهم كما يقول بعض الناشطين الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أصيبوا بخيبة أمل جراء توقف العمليات عند الأطراف الجنوبية للمدينة.

وحسب الناشطين أنفسهم، لا تكف الجماعة الحوثية، بشكل يومي عن إرسال المزيد من عناصرها المسلحين، سواء إلى المدنية أو إلى ضواحيها، أو المديريات الجنوبية، في الوقت الذي يظهر بعض قادتها القادمين من صنعاء، في اجتماع سريع لالتقاط الصور، يغادرون على أثره إلى مخابئ غير معروفة أو يعودون إلى صنعاء.

ويرجح الناشطون، أن أغلب قيادات الجماعة القادمة من صنعاء وصعدة يفضلون المكوث في ضواحي المدينة الشرقية والشمالية، وبخاصة في مديرية باجل المجاورة، حيث المزارع المنتشرة والمخابئ التي استحدثوها هناك هرباً من أن تتصيدهم طائرات التحالف.