صحيفة دولية: هدنة حوثية لإنجاح وساطة بن علوي في واشنطن
لم يكن عرض التهدئة الذي قدمه الحوثيون أمس إجراء لبناء الثقة مثلما يحاول أن يحصل على ذلك المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، ولكن في سياق مواز تماما يقوده وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الذي يزور واشنطن منذ أيام في وساطة تهدف إلى تجنيب إيران تصعيدا غير مدروس مع الولايات المتحدة ومحاولة لإنقاذ ذراعها في اليمن جماعة “أنصارالله”.
وقال الحوثيون، الثلاثاء، إنهم مستعدون لوقف الهجمات من جانب واحد في البحر الأحمر لدعم جهود السلام. لكن هذه المبادرة ستظل مجرد ورقة دعائية ما لم تتم في سياق القنوات الرسمية ويقبل بها التحالف العربي والحكومة اليمنية.
وقال محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا للحوثيين في بيان “نعلن عن مبادرتنا بدعوة الجهات الرسمية اليمنية إلى التوجيه بإيقاف العمليات العسكرية البحرية لمدة محددة قابلة للتمديد ولتشمل جميع الجبهات إن قوبلت هذه الخطوة بالاستجابة والقيام بخطوة مماثلة من قبل قيادة هذا التحالف”.
ولم يتضح إن كان الحوثيون سيوقفون هجماتهم على الفور أو إلى متى سيستمر التوقف.
وقال متابعون للشأن اليمني إن عرض وقف العمليات العسكرية من جانب واحد ودون أن يأتي في سياق دعم جهود غريفيث إنما يهدف إلى تمكين وزير خارجية سلطنة عمان من ورقة قوية تساعده على التفاوض نيابة عن الحوثيين وامتصاص الغضب الأميركي ضدهم بعد استهداف ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر منذ أيام.
وقللوا من جدوى وساطة لا تراعي مطالب الطرف المقابل في المعركة، أي التحالف العربي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لافتين إلى أن الخلاف على الأرض ليس بين الولايات المتحدة والحوثيين، وأن التفاهمات الجانبية قد تحقق نتائج جزئية لكنها لن تنهي الأزمة.
واعتبر هؤلاء أن التحالف العربي وحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي لن يقبلا بقناة تفاوض خارج الدور الذي يلعبه غريفيث بتفويض من الأمم المتحدة، وأن المبادرات الجانبية لا قيمة لها ما لم تتم ضمن هذا الدور، مشيرين إلى بحث الحوثيين من خلال القناة الجديدة عن انفراجة تساعد على تأجيل الحسم العسكري في الحديدة خاصة أن موازين القوى لفائدة التحالف العربي، كما أن المناخ الإقليمي والدولي لا يقف في صف المتمردين في ضوء انحسار التأثير الإيراني والضغوط المتعددة المفروضة على طهران.
وسبق لسلطنة عمان أن فتحت قنوات التواصل بين الحوثيين والولايات المتحدة في فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما، ورتبت للقاءات بين وفد حوثي ومسؤولين أميركيين بينهم وزير الخارجية السابق جون كيري. كما أن الحوثيين كانوا يلجؤون لمسقط لتبريد أي تصعيد بينهم وبين المبعوثين الأمميين السابقين.
ودعا وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ونظيره العماني، الاثنين، إلى “ضبط النفس في اليمن لتجنب المزيد من التصعيد في الأعمال العدائية”.
وأعلن بن علوي خلال زيارته لواشنطن أن السلطنة مستعدة لتقديم المساعدة لتجنب الصراع بين واشنطن وطهران.
وكان لافتا أن وزير الخارجية العماني قد التقى في زيارته إلى الولايات المتحدة كلا من وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ما يؤشر إلى أن سلطنة عمان تسعى لتحقيق انفراجة بين طهران وواشنطن شبيهة بما حصل في 2013 وأفضى ذلك إلى الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في صيف 2015.
ويعتقد مراقبون أن الحوثيين يسعون لإنجاح وساطة بن علوي بكل الطرق خاصة في ما تسرب من غضب غريفيث من أسلوبهم في التهرب من أي التزام، وما قد يحمله في تقريره، الخميس، إلى مجلس الأمن من اتهام مباشر لهم بتعطيل مساعيه لإعادة تحريك المفاوضات، فضلا عن رفضهم مبادرة وضع ميناء الحديدة تحت الإشراف التام للأمم المتحدة.
ولم تخف قيادات حوثية رغبتها في فتح مسار مواز للتهرب من ضغوط غريفيث وإصراره على التزام حوثي باتخاذ خطوات ملموسة لإثبات حسن النية.
ونقلت وسائل إعلامية عن القيادي الحوثي محمد البخيتي سعي المتمردين لإيجاد مسار بديل عن تحركات غريفيث. ووصف البخيتي هذا المسار بأنه “مثقل بالأعباء”، في إشارة إلى اعتزام الحوثيين اتباع مسار سياسي مغاير لجهود المبعوث الأممي خلال الفترة القادمة.
من جهة أخرى، قال المراقبون إن دعوة الحوثيين إلى وقف المعارك لفترة محدودة لها أكثر من رسالة خاصة أنها جاءت مباشرة بعد تقرير أممي يؤكد أن المتمردين يحصلون على أسلحة من إيران، ما يعني أن الهدف هو محاولة امتصاص تداعيات التقرير الأممي، والسعي للتقليل من الخسائر التي يحملها ومن استثمار التحالف العربي والحكومة اليمنية له لتأكيد مشروعية الحسم العسكري لحل أزمة الحديدة وتأمين الملاحة الدولية.
ووفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، فقد أكد تقرير أممي أن المتمردين الحوثيين يتزودون بصواريخ باليستية وطائرات بلا طيار “لديها خصائص مماثلة” للأسلحة المصنعة في إيران. وفي هذا التقرير السري المقدّم إلى مجلس الأمن، تقول لجنة خبراء إنها “تواصل الاعتقاد” بأن صواريخ باليستية قصيرة المدى وكذلك أسلحة أخرى، قد تم إرسالها من إيران إلى اليمن بعد فرض الحظر على الأسلحة في العام 2015.
وجاء في التقرير الذي يقع في 125 صفحة، أن أسلحة استخدمها الحوثيون وتم تحليلها في الآونة الأخيرة -بما في ذلك صواريخ وطائرات بلا طيار- “تُظهر خصائص مماثلة لأنظمة أسلحة عرفت بأنها تُصنع في إيران”.
وخلال جولاته الأخيرة في السعودية، تمكن فريق الخبراء من تفحّص حطام عشرة صواريخ وعثر على كتابات تشير إلى أصلها الإيراني، بحسب ما جاء في التقرير الذي يغطي الفترة الممتدة من يناير إلى يوليو 2018.
وبحسب لجنة الخبراء فإنه من “المحتمل جدا” أن تكون الصواريخ صُنعت خارج اليمن، وشُحِنت أجزاؤها إلى الداخل اليمني حيث أعاد الحوثيون تجميعها.