تحليل: سلام أم استسلام؟

الأربعاء 15 فبراير 2023 13:18:00
testus -US

بون شاسع بين مفردتي السلام والاستسلام.

الأولى تعني حقن الدماء وتجنب الدمار وحفظ الحقوق والنصر للجميع ، في حين أن الثانية تعني الهزيمة والرضوخ والانصياع لشروط المعتدي ، بما يتركه هذا الاستسلام من مهانة ومذلة وتبعات نفسية ومادية واضرار جسيمة.
السلام يعني حفظ ماء الوجه...أما الاستسلام فهو أراقة ماء الوجه.

دروس وعبر:

استفادت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية من الأخطاء الاستراتيجية القاتلة التي وقعت فيها دول الحلفاء خاصة (بريطانيا وفرنسا) مع نهاية الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨)...حينما فرضت هذه الدول الاستسلام على ألمانيا بشروط مجحفة ومذلة...وهو ما ترك غصة وكرها ورغبة في الانتقام لدى الألمان الذين وجدوا في ادولف هتلر ضالتهم ومحرك مشاعر الثأر...، فالتفوا حوله، وكانت الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥) أشد فضاعة قتلا ودمارا من سابقتها.

اسقط هتلر فرنسا في خلال أسبوعين وحاصر بريطانيا العظمى واجتاح أوروبا...لكن الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي وقع فيه هذا المغرور والمجنون عام ١٩٤١م هو الحرب على الاتحاد السوفيتي ذات المساحة الجغرافية الشاسعة والجيش القوي والتاريخ الحافل بقهر الامبراطوريات الاستعمارية.

الولايات المتحدة التي دخلت الحرب بقوة عام ١٩٤٢م بعد أن رأت بوادر الانتصار السوفيتي تلوح في الأفق، سابقت بسرعة فائقة للظفر بالنصيب الأكبر من الغنيمة الألمانية التي كان السباق الأخير مع السوفييت عليها ليتقاسم العملاقان السوفييتي والأمريكي ألمانيا وعاصمتها برلين.

وخلافا لمعاملة بريطانيا وفرنسا لألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عملت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على ضخ المليارات والاستثمارات لإعادة بناء ألمانيا اقتصاديا ومعنويا والأمة علاقات حميمة معها....وظلت الأخيرة ممتنة للأولى حتى الآن.

هذه عبر ودروس الماضي البعيد القريب والحرب في اليمن التعيس تدخل عامها التاسع.

الحرب اليمنية:

في حين ينشد الجنوبيون سلاما نهائيا وحلا عادلا يقوم على أساس الحقوق التاريخية لشعب الجنوب وفي مقدمتها استعادة دولته المستقلة ويبدون استعدادهم لمراعاة المصالح المشتركة للجيران...تحاول نخب الشمال العسقبلية والدينية التي يقودها الحوثيون، إطالة أمد هذه الحرب من خلال ابتزانز التحالف العربي واستنزافه وحروب الخدمات ودعم الارهاب والحرب النفسية والتظليلية ضد الجنوب والجنوبيين...بهدف إجبار الجنوبيين على الاستسلام واستمرار احتلال الجنوب ونهب خيراته وثرواته وتجويع شعبه العظيم وتركيع جيشه الباسل.

ينبغي على نخب الشمال مغادرة ثقافة "الوحدة بالقوة" و"اليمن الواحد" و"الشعب الواحد" و"الاصل والفرع"، والاعتراف بحقيقة استحالة فرض الوحدة على شعب الجنوب بأي حال من الأحوال وإن السلام الصادق والتعايش بين الدولتين هو الحل.

العميد الركن/ ثابت حسين صالح

*باحث ومحلل سياسي وعسكري في بوابة المشهد العربي.