السلة المالية للحوثيين.. إرهاب مكتمل الأركان
يخطئ من يعتقد أن بداية الدعم الإيراني لميليشيات الحوثي في اليمن بدأت منذ اندلاع حرب التمرد الأولى ضد الحكومة عام 2004، بل يعود إلى عقود طويلة قبل هذا التاريخ.
ويرى مراقبون أن الدعم الإيراني للحوثي بدأ بالتوازي مع إنشاء ميليشيات «حزب الله» الإرهابية في لبنان، والذي كان الهدف منه واضحاً، وهو تهديد أمن دول الخليج التي تقف حجر عثرة بل وشوكة في وجه المد الفارسي.
وعملت إيران منذ وقت مبكر على إيجاد ميليشيات موالية لها من خلال دعم جماعة الحوثيين، أو من تطلق عليهم «أنصار الله» في اليمن، لتبرز بعد ذلك الأحلام الإمبراطورية الفارسية التوسعية.
واستخدمت إيران في سبيل ذلك اللعب على وتر الفتنة الطائفية، وإطلاق عواصف التعصب المذهبي، ودعم ميليشيات تخريبية متمردة في دول المنطقة لتحقيق أهدافها على بحر من الدماء والدمار.
تهديد أمن المنطقة
يقول المتحدث الرسمي للحكومة الشرعية راجح بادي: توجت إيران مخططها في اليمن باجتياح ميليشيات الحوثي العاصمة صنعاء، أواخر عام 2014 ليعلن قادة «الحرس الثوري» الإيراني أن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط في أيديهم، وبجانب دعم طهران و«حزب الله»، استولى الحوثيون على كميات كبيرة من أسلحة وعتاد الجيش، وباشرت بنقل المعدات الثقيلة إلى صعدة.
وأضاف، «وما يقوم به الحوثيون اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو مخطط إيراني قديم لتطويق أمن المنطقة والخطر الداهم تجلى في الوقت الراهن من خلال محاولات الاستهداف المتكرر للرياض ومكة المكرمة بصواريخ إيرانية الصنع، فالحوثيون مجرد أداة فقط».
وتابع ويمكن القول، إن ميليشيات الحوثي تشكل أخطر أذرع إيران في المنطقة، نظراً لوجودها في خاصرة الخليج، الهدف الأبرز لطهران، وتمثل تهديداً حقيقياً للأمن الدولي، لوجودها بالقرب من باب المندب، أهم الممرات المائية الاستراتيجية الذي يمر منه ثلثي إنتاج العالم من النفط يومياً.
عوائد مالية ضخمة
أفرزت الحرب في اليمن طبقة جديدة من التجار استغلوا حالة الفوضى والحرب التي تمر بها البلاد، بعدما أفلس الكثير من أصحاب الأعمال والتجار وأنهوا تجارتهم، وهاجر آخرون تاركين أعمالهم وبضاعتهم في اليمن لتصبح عرضة للنهب من قبل الميليشيات.
ففي الوقت الذي حرمت فيه الميليشيات، بقية موظفي الهيئات والجهات الحكومية الخاضعة لها من الرواتب، خصصت مبالغ شهرية لهذه الجهات تحت اسم «نفقات تشغيلية» بنظر القيادات المعينة من قبلها، في حين شمل الحرمان منتسبي أجهزة الأمن والعسكريين السابقين، باستثناء العناصر الموجودين في جبهات القتال.
وفي تقاطع مريب تمنح الميليشيات كبار قادتها ومشرفيها والمسؤولين عن التجنيد والحشد والإمداد، مبالغ ضخمة، تحت اسم «عهدة مالية» حيث يستغلونها للإثراء الشخصي، وشراء العقارات والسيارات والأراضي، كما تؤكده مصادر عسكرية مطلعة.
وتأتي موارد هذه الصناديق التي استولى عليها الحوثيون بموجب القوانين السارية، من النسب المفروضة لها من إنتاج مصانع الإسمنت والتبغ ومن بيع المشتقات النفطية.
وليتواصل مسلسل النهب لدى المليشيات وخاصة في المؤسسات الحكومية الأخرى ذات إيرادات أقل، اخترعت الميليشيات مبالغ مالية شهرية للعاملين معها، تحت اسم «بدل التغذية» كما هي الحال في مؤسسة الثورة للصحافة، في صنعاء، وهذه المبالغ بحسب إفادة صحفيين وفنيين يعملون في هذه المؤسسة، في المتوسط، لا تتعدى 20 ألف ريال لصغار الموظفين، و50 ألف ريال لكبارهم، في حين تذهب أغلب عائدات الإعلانات إلى جيوب قادة الميليشيات المعينين في المؤسسة.
الميليشيات تخلق أسواقاً سوداء
وذكرت مصادر اقتصادية، أن السوق السوداء تدر على الانقلابيين الحوثيين مبالغ تقدر بأكثر من 120 مليار ريال يمني شهرياً (الدولار يساوي 470 ريالاً يمنياً)، وهو مبلغ يكفي لتغطية راتب شهرين من رواتب موظفي القطاع المدني والعسكري، غير أن قيادات الحوثيين تستثمر جزءاً من هذه المبالغ في تغطية نفقات المجهود الحربي، فيما تصادر البقية لحساباتها البنكية الخاصة، وتحرم الموظفين الحكوميين من رواتبهم منذ أكثر من عام، بذريعة عدم وجود سيولة نقدية.
وتعتمد السوق السوداء على بيع البنزين في محطات متنقلة، بالإضافة إلى محطات عشوائية لبيع مادة الغاز، تفتقر لأي ضابط من ضوابط إجراءات السلامة المهنية، والتي تتسبب في الكثير من الحوادث التي تعرض حياة السكان للخطر.
وأعلن تقرير صادر عن مركز العاصمة الإعلامي عن وجود 933 محطة عشوائية لتعبئة الغاز في العاصمة صنعاء، حيث ارتفع عدد تلك المحطات من 43 محطة عام 2015، إلى933 عام 2017، برعاية وحماية المسلحين الحوثيين.
نظم حوثية للاسترزاق
وفرضت الميليشيات واقعاً صعباً على موظفي الدولة، حيث أخضعت الموظفين الموجودين تحت سيطرتها لأداء البصمة الشخصية للتثبت من وجودهم، وإنها بذلك تعلن أنها تستهدف بحملتها المستمرة تطهير سجلات الخدمة من 50 ألف موظف مدني آخرين، إلى جانب أكثر من مائة ألف موظف في القطاعين الأمني والعسكري.
وتستهدف الميليشيات بإجراءاتها هذا تخويف الموظفين من فصلهم من الخدمة إذا رفضوا الاستمرار في أعمالهم تحت إمرتها، كما تهدف إلى الانتقام من مناهضيها العسكريين والمدنيين الذين غادروا مناطق سيطرتها، إلى جانب سعيها، لاستبعاد الموظفين الموجودين في مناطق سيطرة الشرعية، باعتبارها ليست مسؤولة عنهم بعد أن باتوا في عهدة الشرعية.
ويؤكد موظفون في القطاع المالي، في صنعاء، أن أغلب إيرادات المؤسسات، لا يتم توريدها كما هي العادة في العمل المؤسسي، إلى البنك المركزي والمصارف الرسمية، حيث تقوم الجماعة، على حد قولهم، بنقل أغلب الأموال وتخزينها في أماكن سرية، لتبقى بعيدة عن الأنظار، وخاضعة للتصرف المباشر من قبل زعيم العصابة الحوثية.
أما على صعيد ما يقوم به قادة الميليشيات المعينين في وزارة الصحة ومرافقها وهيئاتها الأخرى، يؤكد الموظفون أن الميليشيات تقوم بالاستيلاء على ملايين الدولارات سنوياً، جراء بيعها تراخيص استيراد الأدوية، فضلاً عن قيامها بنهب الجزء الأكبر من المعونات الطبية المقدمة من قبل المنظمات الدولية، إلى جانب ما يتم تخصيصه لهم من مبالغ شهرية تحت اسم «النفقات التشغيلية».
فصل 25 ألف موظف حكومي
يضطر كثير من الموظفين للاستمرار في الخدمة تحت إمرة الانقلابيين، وفق ترجيح موظف في وزارة الكهرباء، فبدلاً من المكوث في المنزل، يفضل كثير منهم الذهاب إلى وظائفهم، بخاصة إن كانت مرتبطة بتقديم خدمات عامة للسكان والمراجعين، الذين عادة ما يعطفون على هؤلاء الموظفين، بدفع إكراميات بسيطة، أو بدفع مبالغ أكبر في حالة ابتزازهم أو التغطية على سلوك لهم غير قانوني.
من جانبه، يعتقد الموظف (أحمد.ص) وهو مختص في إحدى إدارات وزارة الأشغال والطرق، أن الحافز البسيط الذي يحصل عليه شهرياً، أفضل من لا شيء.
غير أن صديقه الموظف في وزارة التربية والتعليم، يعتقد أن الخوف من إقدام الميليشيات الحوثية على فصله من الخدمة ومصادرة درجته الوظيفية هو السبب الرئيس لاستمراره في الوظيفة دون راتب، خاصة أنه يمتلك دخلاً إضافياً جراء عمله في مدرسة خاصة.
ويبرر بقية الموظفين في الخدمة المدنية استمرارهم في الوظيفة دون راتب، بقولهم: «هذه مصالح ومؤسسات حكومية، وليست ملكية خاصة للحوثيين، ومن واجب من يستطيع الاستمرار في أداء عمله أن يستمر، لجهة المساهمة في الحفاظ على ما تحت يده من ممتلكات حكومية أو وثائق أو أجهزة أو سجلات بدلاً من تركها لتصرف عناصر الميليشيات، إذ سيأتي اليوم الذي تعود فيه الحكومة الشرعية، ولا بد أنها ستكون بحاجة إلى جهود هؤلاء الموظفين لإعادة بناء المؤسسات من جديد».
وكانت الميليشيات الحوثية، اعترفت قبل أسابيع، بأنها فصلت أكثر من 25 ألف موظف حكومي، في سياق حملة أطلقتها تحت شعار، «تنقية كشف الراتب».
ويعاني اليمن أزمة سيولة مالية أدت إلى تفاقم معاناة الناس وصعوبة توفير رواتب الموظفين، إذ يتهم خبراء اقتصاد أن الحوثيين تسببوا بأزمة سيولة مالية في الاقتصاد اليمني من خلال سحب العملة المحلية وتكديسها في حسابات وخزائن خاصة بهم، تزامن ذلك مع إغلاق المؤسسات العامة وسيطرة الحوثيين عليها وتحول موارد الدولة لمصلحتهم، ما أدى إلى فصل الموظفين والعاملين في تلك المؤسسات، فانهارت الطبقة الوسطى، وباتوا فقراءً بعد توقف رواتبهم.