صحيفة دولية: الغضب الشعبي يطال المؤسسة الدينية في إيران
خرجت الاحتجاجات في المدن الإيرانية، الجمعة، من المطالب المباشرة ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي إلى استهداف المؤسسة الدينية التي يقوم عليها النظام في طهران، والتي نجح من خلالها وطيلة أربعين عاما في إجبار الإيرانيين على القبول بالأمر الواقع.
يأتي هذا في وقت تتسع فيه دائرة الاحتجاجات لتشمل أبرز المدن مثل أصفهان وشيراز ومشهد وطهران، وتنامي الغضب على المرشد الأعلى علي خامنئي وإطلاق شعارات قوية تطالبه بالرحيل وتصفه بالدكتاتور.
ووصف مراقبون محليون الهجوم على حوزة علمية قرب طهران بأنه تحوّل نوعي في الغضب الشعبي ضد السلطات، خاصة أنه اقترن بشعارات تصف المرشد الأعلى علي خامنئي بالدكتاتور وخائن الوطن وتطالب بوقف الإنفاق على الميليشيات في لبنان واليمن والكفّ عن المتاجرة بالملف الفلسطيني على حساب المواطنين الإيرانيين.
وحسب ما ذكرت وكالة أنباء فارس المحافظة، هاجم متظاهرون إيرانيون، ليل الجمعة السبت، حوزة علمية في منطقة كرج القريبة من طهران.
وقال حجة الإسلام هندياني مدير حوزة مدينة اجتهاد إن “حوالي 500 متظاهر هاجموا المدرسة حوالي الساعة التاسعة مساء (الجمعة) محاولين كسر أبوابها وإحراق أشياء فيها”.
وأضاف أن المحتجين “كانوا يحملون حجارة وكسروا كل نوافذ قاعة الصلاة وهم يرددون شعارات ضد النظام”، موضحا أن الشرطة قامت بتفريقهم واعتقلت عددا منهم.
ويعتقد محللون أن وقع استهداف المدرسة الدينية، التي ترمز إلى نفوذ رجال الدين المتشددين، ستكون له تأثيرات قوية على أكثر من مستوى، وأن السلطات لو استطاعت أن تمنع انتشار الخبر لفعلت بكل قوة، لكن تطوّر وسائل الاتصال يعقد مهمتها في إخفاء مظاهر الغضب والنقمة على الدولة الدينية المتشددة التي أهملت مهمتها الرئيسية في خدمة المواطنين وبدلا من ذلك تمسكت بشعار تصدير الثورة ما جعلها محل عداء وتوجّس في محيطها الإقليمي.
ويرى المحللون أن حادثة منطقة كرج ستشجع المتظاهرين في مناطق أخرى على مواجهة المؤسسة الدينية ورموزها بشكل علني، لافتين إلى أن الشارع الإيراني بات مقتنعا بأن الأزمة تكمن في أعلى هرم السلطة سواء المرشد أو المؤسسات العليا التي يسيطر عليها المتشددون.
وخلال الأيام الماضية خرجت تظاهرات ضمت المئات في عدة مدن إيرانية مثل شيراز في الجنوب والأحواز في الجنوب الغربي ومشهد في الشمال الشرقي وخرج قرب طهران، مع تنامي حالة أوسع من الغضب إزاء النظام السياسي جراء الضائقة الاقتصادية.
وأظهرت تسجيلات فيديو وضعت على شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية أشخاصا يسيرون في شوارع مدن عدة ويهتفون “الموت للدكتاتور” و”خائن الوطن” وشعارات أخرى تستهدف المرشد الأعلى.
ونشر موقع “أخبار قم” المحافظ تسجيلا لمسيرة احتجاج في مدينة مشهد بعد صلاة الجمعة يقول فيه الخطيب للحشد “أكثر نوابكم لا يكترثون بمشكلات الشعب”.
وأضاف “أكثرهم لديهم جوازات سفر وعائلاتهم تعيش في الخارج. على القضاء أن يعثر عليهم ويوقفهم”، في حين هتف الحشد “الله أكبر”.
ويقول المراقبون إن الاحتجاجات، التي تحولت إلى حدث معهود في الشارع الإيراني، تضغط على السلطات لكونها تسبق سلسلة من العقوبات الأميركية التي تستهدف بالأساس قطاع النفط، ما يحول دون الأموال اللازمة للإنفاق على تدخلات إيران الخارجية وأذرعها في المنطقة التي تعيش وضعا صعبا.
ويشيرون إلى أن السلطات ستبدو ضعيفة وفاقدة للسيطرة على الشارع بمواجهة الولايات المتحدة، وهو ما يبدد نظرية المؤامرة التي كانت طهران تلجأ إليها لتبرير أزماتها الخارجية وإقناع الإيرانيين بتحمل العقوبات المتتالية التي تعيش تحت وقعها.
وتجد إيران صعوبة في إقناع الشارع بنظرية المؤامرة هذه المرة في ضوء تهاوي قيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية وتركيز القادة السياسيين والعسكريين في البلاد على المعارك الخارجية مثلما تعكسه تصريحات قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري بشأن تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ما يوسع دائرة الأعداء ويعطي دعما قويا لخيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المضي قدما في العقوبات.
ويترقب الإيرانيون بقلق ما ستكون عليه التداعيات الاقتصادية لإعادة فرض العقوبات الأميركية ابتداء من الثلاثاء بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في 2015 مع القوى الكبرى وتوعدها بفرض عقوبات يكون لها “أبعد الأثر” على إيران على مرحلتين في 7 أغسطس و5 نوفمبر.
ولا يتضح بعد كيف سينعكس هذا على الحياة اليومية للإيرانيين، لكن دبلوماسية غربية في طهران تتابع التطورات الاقتصادية، قالت إن أسعار المواد الغذائية الأساسية تشهد بالفعل ارتفاعا.
وقالت “نلاحظ بالفعل ارتفاع أسعار السيارات بصورة كبيرة بسبب الخوف من (نقص) استيراد المواد الخام. في نوفمبر، عندما تتأثر مبيعات النفط، ستكون لدينا صورة واضحة عن تأثير ذلك على الحياة اليومية”.
وأضافت أن انهيار العملة ليس ناجما عن عوامل اقتصادية بحتة، وإنما لأن الناس يبحثون عن مكان آمن للاحتفاظ بمدخراتهم لأنهم لا يثقون في قدرة الحكومة على تحسين الأوضاع، مشيرة إلى وجود “تراجع كبير للثقة في النظام المالي وقدرة الحكومة على السيطرة على الأمور والتصدي للعقوبات”.