إلى الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي

د. عيدروس النقيب

السلام عليكم أيها السادة أصحاب الجلالة والسمو والسعادة قادة وممثلو دول مجلس التعاون الخليجي، ونسأل الله أن يوفقكم إلى ما فيه خير أمتكم العربية وشعوبكم الشقيقة.

غداً ستعقدون اجتماعكم (الاستثنائي أو الدوري) وقد علمنا أنكم تكرسون أعمال اجتماعكم هذا لمعالجة الأزمة اليمنية في ضوء التطورات على الصعيد الميداني بتراجع المجاميع الانقلابية المدعومة من نظام الملالي في طهران، والتطورات الدولية المتصلة بمحاولات المبعوث ألأممي تجميع الأطراف اليمنية على طاولة حوار واحدة لنقل العملية من الساحة العسكرية إلى المسار السياسي، ولا أخالكم ستتجاهلون الوضع الإنساني المريع الذي وصل إليه المواطنون في المناطق المحررة كما في منطق النزاع.

إننا بهذه المناسبة نتوجه إليكم بالتحية والتقدير لما تولونه من اهتمام لهذه التعقيدات التي أوصلنا إليها من أساؤوا استخدام الثقة التي منحت لهم أو القوة التي اكتسبوها في غفلة من الزمن، وننظر إلى موقفكم من خلال عاصفة الحزم غلى إنه يمثل موقفا قوميا وعروبيا وإسلاميا جاء في الزمان والمكان المناسبين، وبالنسبة لشعبنا الجنوبي فإنه يعتبر ما قدمتموه وتقدمونه تضحيات لا يمكن أن تنساها الأجيال.

واسمحوا لي أن أشير إلى النقاط التالية التي تحذوني الثقة المطلقة أنكم تدركون أهميتها وتأثيرها العميق على صيرورة العملية السياسية والعسكرية في إطار المواجهة مع التحديات الداخلية والخارجية التي تنتجها تلك الأزمة اللعينة التي صنعتها أيادي الشر والأشرار في هذا البلد المغلوب على أمره:

1. لقد وقف الشعب الجنوبي بمواطنيه وناشطيه السياسين ومقاومته المسلحة إلى جانب عاصفة الحزم وقدم في سبيل نصرتها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والمخطوفين، وتمكن بدعمكم الكريم من تحرير أكثر من 80% من الأرض وتسليمها للسلطة الشرعية في أقل من ثلاثة أشهر، وهو اليوم يواصل هذا الدور في الساحل الغربي بمساندته للمقاومة التهامية والمقاومة الشمالية الرافضة للانقلاب بعامة.

2. إن الشعب الجنوبي لم يحول الحرب إلى مشروع استثماري كما يفعل البعض، الذين يتعمدون إطالة أمد الحرب بغرض سوء استخدام الدعم السخي الذي تقدمه دولكم الشقيقة، بل لقد دخل عاصفة الحزم بصدقً وجديةً وإخلاص بغرض تحرير الأرض من غزاة 1994م، و2015م معا وهو ما عجل بتحقيق النصر في تلك الفترة الزمنية القصيرة.

3. لقد أكدت قيادات المقاومة الجنوبية وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي احترامها لشرعية الرئيس هادي وقد دافعت عنه مرتين الأولى عند التصدي لمشروع الغزو الانقلابي والثانية بعد تحرير الأرض وتسليمها لحكومته وما يزال الجنوبيون على استعداد لوضع أيديهم بأيدي الرئيس الشرعي في سبيل مواجهة المشروع الانقلابي حتى هزيمته ويراهن الجنوبيون على دوركم النبيل في تسهيل تحقيق هذه الغاية وتشجيع القيادة الجنوبية والرئيس هادي على التقارب في سبيل تحقيق أهداف عاصفة الحزم وإعادة الأمل.

4. إن إعلان الجنوبيين وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي عن مد أيديهم للرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي لمواجهة المشروع الانقلابي الفارسي على الأرض اليمنية حتى تحقيق أهداف عاصفة الحزم وإعادة الأمل، لا يعني تخليهم عن مطالب الشعب الجنوبي في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وفقا لما تقره القوانين والمواثيق الدولية الموقع عليها من قبل معظم دول العالم ومنظماته وعلى رأسها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.

5. إن الجنوبيين لم يواجهوا المشروع الانقلابي كي يعودوا إلى نتائج حرب 1994م التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه من دمار وتفكك وحروب دموية وأوبئة وفقر وفساد، وإنما كي يخرجوا من ورطة 1990م ومن النتائج التدميرية لغزو 94م والعودة إلى نظام الدولتين الشقيقتين في الجنوب والشمال.

6. إن الوحدة اليمنية قد فشلت في أيامها الأولى عندما شرع نظام صنعاء في تصفية القادة الجنوبيين وشجع الجماعات  الإرهابية التي استقدمها من أفغانستان ومولها وهيأها ونشرها في طول البلاد وعرضها، وما حرب 1994م إلا تتويجٌ واستكمال للحرب على الجنوب والجنوبيين التي بدأت في الأيام التالية لإعلان 22 مايو.

7. لقد تعرض الجنوب للاجتياح والاحتلال بفتوى دينية اعتبرت أهله كفاراً وملحدين لتبرير عمليات النهب والسلب والقتل والأسر والاستيلاء وثقافة الغنيمة ومحاولات السبي باعتبارها فرض عين، وهو ما جعل الجنوب غنيمة حرب على مدى ربع قرن من الزمن، وهذه الوضعية ما تزال قائمة حتى اليوم لأن من أفتوا بهذه الفتوى ما يزالون متحكمين في صناعة القرار في طرفي النزاع (الشرعية والانقلاب).

8. إن حرب 2015 ضد الجنوب لم تكن سوى استمرارٍ لحرب 94م واستكمالٍ لأهدافها حتى وإن تغيرت التحالفات التي أدت إلى الحربين اللعينتين وما ألحقتاه بالجنوب والجنوبيين من دمار نفسي ومادي ومعنوي وسياسي.

9. إننا نراهن على إدراككم الحكيم أن إصرار البعض على التمسك بالدولة اليمنية الواحدة (المركزية أو الاتحادية) لا يمثل إلا عناداً غير حكيمٍ للحقائق التاريخية التي أكد الواقع على الأرض أهميتها وتأثيرها الحاسم على مسار الأحدات ورفضا لاستخلاص الدروس والعبر من هذه الحقائق، ونرى أن هذه الحقائق تؤكد استحالة استمرار هذا الوضع المشحون بعوامل الكراهية والاستئثار والعدائية والبغضاء بين الشعبين في الشمال والجنوب بلا أسباب سوى أطماع بعض السياسيين في توسيع نفوذهم  وتعظيم مصالحهم الأنانية وتعميق دوائر النهب والاستحواذ تحت شعار "وحدة اليمن" التي لم بعد لها وجود لا على الأرض ولا حتى في مخيلة المواطنين الشماليين والجنوبيين.

10. ومن هذا المنطلق نشدد على إن العودة إلى أوضاع ما قبل 22 مايو 1990م واستعادة الدولتين في الشمال والجنوب، يمثل مخرجا معقولا وحكيماً  ومنطقياً وضرورياً لهذه الأزمة التاريخية المستفحلة، وهو يخدم الأمن والسلام والاستقرار لكل بلدان المنطقة والعالم، وإن تجاهل هذه الحقيقة والبحث عن حلول مبتسرة أو ترقيعية من قبيل المسكنات الموقتة لا يمثل سوى ترحيلٍ وقتيٍ لجذور الأزمة والعودة بها إلى نقطة الصفر لتنبعث من جديد، وحتى لو تصالح الأشقاء المتحاربون ووقفت الحرب بينهما فإن شعب الجنوب يصر على التمسك بحقه التاريخي في استعادة دولته وبناء الجنوب الجديد الذي يتسع لكل أبنائه بمختلف انتماءاتهم الجغرافية والفئوية والسياسية والفكرية بعد أن فشل المشروع الوحدوي الذي تبناه الجنوبيون قبل أن تفكر فيه النخب السياسية في الشمال.

11.  إن الدولة الجنوبية الجديدة التي ينشدها شعبنا الجنوبي لن تكون إلا شريكا فاعلا في تحمل المسؤوليات الوطنية والإقليمية وفي مقدمتها إعادة إعمار الجنوب والتصدي للإرهاب ودمج الجنوب مع محيطه الإقليمي والدولي، وقد برهن الجنوبيون ذلك بدحرهم لقوى الانقلاب والهزيمة التي ألحقوها بجماعات القاعدة وداعش الإرهابيتين التين سيطرتا على أكثر من نصف مساحة الجنوب حينما كانت الفيالق المحسوبة على الشرعية تتفرج عليهما ويبرم بعض قادتها معهما اتفاقيات الاستلام والتسليم.

12. إننا نؤمن أن الشعب الشمالي يستحق أن يكون لديه دولة حديثة محترمة تؤدي واجباتها تجاه المواطن الشمالي وتوفر له الحياة الكريمة البعيدة عن هيمنة الجماعات القبلية والعسكرية والطائفية والدينية المتطرفة وسيقف الجنوبيون إلى جانب هذا الحق وسيدعمونه بما يتوفر لديهم من ممكنات.

نتمنى لدورتكم هذه التوفيق والسداد وتقبلوا تحياتنا الصادقة وتقديرنا العالي


مقالات الكاتب