ترحيل مئات المهاجرين من شمال المغرب... وألمانيا وإسبانيا مع دعمه أوروبياً

الاثنين 13 أغسطس 2018 23:51:41
testus -US

بينما رحَّلت السلطات المغربية مئات المهاجرين خلال الأيام الماضية من مدينتي طنجة والناظور ومدن أخرى (شمال البلاد)، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية متطابقة مغربية وإسبانية أن خوسي لويس رودريغيز ثباتيرو رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق، وميغيل أنخل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا الأسبق، حملا رسالة من رئيس الحكومة الإسبانية الحالي الاشتراكي بيدرو سانشيز، إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال استقباله لهما يوم 31 يوليو (تموز) الماضي عقب حفل الاستقبال الذي أقامه في قصر مرشان في طنجة بمناسبة عيد الجلوس الـ19.

وقالت المصادر ذاتها إن فحوى الرسالة تمحور حول ارتفاع وتيرة الهجرة غير الشرعية من المغرب نحو إسبانيا، كما عبّر رئيس الحكومة الإسبانية للعاهل المغربي عن رغبته في أن تقوم بلاده بالعمل على الحد من ذلك.

وتراوح عدد المرحَّلين خلال الأيام الماضية، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، ما بين 1600 و1800 مهاجر غير شرعي. بينما التزمت وكالة الأنباء المغربية الرسمية الصمت إزاء عمليات الترحيل هذه. وقال متحدث باسم السلطات المحلية في طنجة إن هذه العمليات «تندرج في سياق جهود المغرب لمحاربة الهجرة غير الشرعية»، مشيراً إلى أنهم نقلوا إلى «مدن تتوافر فيها شروط حياة أفضل بالنسبة إليهم».

ويعد شمال المغرب ممراً تقليدياً للمهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا برّاً عبر مدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما إسبانيا شمال المغرب، أو بحراً عبر المتوسط. وشكلت إسبانيا هذا العام الوجهة الرئيسية للمهاجرين غير الشرعيين متجاوزة إيطاليا. ويتحدر أغلب المهاجرين المارين عبر المغرب من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء.

في غضون ذلك، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية سانشيز والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل السبت في سانلوكار دي باراميدا (إقليم قاديس) بجنوب إسبانيا، اتفاقهما على سبل مواجهة مشكلة المهاجرين، وعلى ضرورة تقديم دعم أوروبي أكبر إلى المغرب المعني مباشرة بهذه الأزمة.

وقال سانشيز خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ميركل في ختام غداء عمل إن «المغرب يعاني من ضغوط تدفقات الهجرة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، ونتيجة لذلك نحن بحاجة إلى تعزيز تعاوننا ليس فقط مع البلدان التي ينطلق منها المهاجرون، ولكن أيضاً مع دول العبور مثل المملكة المغربية».

وذكر سانشيز أن «أربعة عشر كيلومتراً تفصل بين شواطئ إسبانيا وشمال أفريقيا، إلا أن المسافة بالنسبة للنمو هي أكبر بكثير»، مضيفاً أن «ردم هذه الهوة من انعدام المساواة يجب أن يكون إحدى أبرز مهمات الاتحاد الأوروبي». وأشار سانشيز إلى أن النتائج التي توصل إليها المجلس الأوروبي خلال القمة التي عقدها في يونيو (حزيران) الماضي «تعكس التزام جميع مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد بضرورة تعزيز وتكثيف التعاون مع المغرب، مع إعطاء المملكة الدور الرئيسي الذي تستحقه في معالجة وتدبير تدفقات الهجرة».

وأضاف سانشيز: «لقد تقاسمنا أنا والمستشارة الألمانية خلال هذا الاجتماع القناعة ذاتها بأن المغرب هو أحد الشركاء الرئيسيين للاتحاد الأوروبي وإسبانيا»، مشيراً إلى أن المفاوضات جارية حاليا مع المفوضية الأوروبية من أجل توفير الموارد المالية اللازمة لمساعدة المغرب في تدبير عملية تدفقات الهجرة.

وقال إن إسبانيا وألمانيا تدافعان عن سياسة أوروبية حول الهجرة «عمودية وأفقية وشاملة»، ترتكز بشكل أساسي على دعم وتعزيز تعاون الاتحاد الأوروبي مع الدول الأفريقية، لا سيما بلدان شمال أفريقيا ليس فقط في مجال الهجرة ولكن بشكل خاص في مجال التنمية.

من جهتها، أكدت المستشارة الألمانية ميركل أن على الاتحاد الأوروبي أن يعمل على تكثيف تعاونه مع المغرب في مجال الهجرة مع دعم وتقوية أسس ومرتكزات التعاون الموجه نحو المملكة المغربية وتونس «وهما البلدان الحدوديان اللذان يحتاجان إلى المساعدة». وقالت ميركل إن «المغرب البلد الذي يلعب دوراً مهماً ورئيسياً في قضية الهجرة، هو أيضاً شريك تجمعنا معه علاقات اقتصادية واتصالات جد وثيقة».

وأشارت ميركل إلى أن «ألمانيا التي عملت لسنوات مع المملكة المغربية حول قضايا مرتبطة بالتنمية تريد المساهمة في دعم المغرب لمواجهة تحدي الهجرة»، مضيفةً أن ألمانيا وإسبانيا تتقاسمان مقاربة مشتركة في هذا المجال.

وجاء في بيان صدر في مدريد عن اللقاء أن «سانشيز وميركل اتفقا على إبلاغ المفوضية الأوروبية بضرورة دعم الصندوق الائتماني الأوروبي لأفريقيا الذي تأتي منه الأموال الموجهة بشكل خاص إلى المغرب لمراقبة حدوده».

وذكرت ميركل أن ألمانيا دفعت مساهمتها لهذا الصندوق «من أجل تونس والمغرب لأنهما بحاجة إلى دعم في مجال الأمن الحدودي والتعاون في التنمية».

وشددت ميركل على أن قضية الهجرة تعد «تحدياً علينا أن نواجهه معاً لأنه لا يمكن لأي بلد أن يدعي أنه محصن ضد هذا التحدي. إنها قضية تطرح لنا مشكلة كبيرة كاتحاد أوروبي».

وقالت إن أوروبا « يجب ألا تتحدث فقط عن أفريقيا، بل أيضاً مع أفريقيا، من أجل الحد من ظاهرة الهجرة والوصول إلى موقف مشترك خلال قمة رؤساء الدول والحكومات المقررة في سالزبورغ في سبتمبر (أيلول) المقبل».

وتزامن لقاء ميركل - سانشيز في إسبانيا مع البدء بتنفيذ اتفاق وقع في السادس من أغسطس (آب) الماضي عندما التزمت مدريد استعادة المهاجرين الذين وصلوا إلى ألمانيا بعد أن سجلوا أسماءهم في إسبانيا بحسب قواعد البيانات الأوروبية. إلا أن هذا الاتفاق يبقى رمزياً، لأن قلة من المهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا انتقلوا إلى ألمانيا.

وكانت ميركل وعدت بالعمل على اتفاقات من هذا النوع داخل الاتحاد الأوروبي لإقناع وزير داخليتها هورست زيهوفر بالتخلي عن مشروعه لطرد أي طالب لجوء سبق أن تسجل في قاعدة البيانات الأوروبية في بلد آخر.

وتسعى برلين حالياً إلى إقناع إيطاليا واليونان بالموافقة أيضاً على استعادة المهاجرين الذين تسجلوا على أراضيهما قبل أن يتوجهوا إلى ألمانيا.

وفِي ردِّ فعل إزاء ترحيل السلطات المغربية للمهاجرين غير الشرعيين من شمال المغرب، قال محمد السوسي، الناشط بمركز الشمال لحقوق الإنسان بطنجة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن العملية انطلقت عقب محاولة جماعية لاقتحام حواجز مدينة سبتة من طرف مجموعة تناهز 600 مهاجر غير قانوني نهاية يوليو الماضي، الشيء الذي أثار استنكاراً لدى إسبانيا والاتحاد الأوروبي، اللذين عبرا عن قلقهما إزاء الارتفاع المتواصل لضغط المهاجرين على الحدود مع المغرب.

وأضاف السوسي أن «العملية شملت عدة مدن شمالية على طول الساحل المتوسطي، منها الناظور وتطوان والفنيدق وطنجة ومرتيل. كما أن السلطات المغربية لم تكتفِ هذه المرة بتمشيط الغابات القريبة من هذه المدن، التي تأوي إليها جماعات المهاجرين الأفارقة، بل شملت هذه المرة الأحياء السكنية داخل المدن والعمارات التي يقطنها الأفارقة».

وحول سير العملية، قال السوسي: «لم نسجل أية ممارسة للعنف ضد المهاجرين أو تجميعهم بشكل غير لائق. عموماً كان تعامل السلطات جيداً». ويضيف السوسي: «لكننا نتساءل عن الجدوى من هذه العملية. لأن ترحيل المهاجرين عبر نقلهم بحافلات إلى مدن أخرى في البلاد لا يحل المشكلة. لأنهم حتما سيعودون. وربما أن عناصر الفوج الأول الذي رحل قبل أيام في طريقهم من جديد إلى الشمال».

من جانبه، اعتبر عمر الناجي، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة الناظور، أن حملة احتجاز وترحيل المهاجرين الأفارقة تخللتها عدة خروقات. وقال الناجي لـ«الشرق الأوسط» إن احتجاز المهاجرين من طرف قوات الأمن والدرك جرى من دون أمر من النيابة العامة، كما أن النقل إلى مدن جنوبية تم من دون موافقة المعنيين، الشيء الذي تعتبره الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خرقاً لحقوق المهاجرين.

وأوضح الناجي أن العملية انطلقت في الناظور يوم الثلاثاء 7 أغسطس، ولا تزال مستمرة، وشملت مخيمات المهاجرين في الغابة القريبة من الناظور إضافة إلى أحياء سكنية داخل المدينة. وقدرت الجمعية عدد المهاجرين الأفارقة الذين رحلوا من الناظور وحدها بنحو 600 مهاجر. وأضاف: «نعتبر أن هذه العملية لن تحل المشكلة. ونعارض أن يستمر المغرب في لعب دور الحارس الذي يبعد المهاجرين عن الحدود الأوروبية».

وأوضح الناجي أن حملة الترحيل همَّت المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء فقط، ولم تشمل السوريين واليمنيين والفلسطينيين، الذين عبروا بدورهم الحدود الجزائرية في اتجاه شمال المغرب بحثاً عن فرصة للعبور إلى الضفة الأخرى للمتوسط بهدف الحصول على اللجوء.

وأوضح الناجي أن اللاجئين اليمنيين والفلسطينيين بدأوا يصلون في الآونة الأخيرة فقط إلى شمال المغرب. وقدر عدد اليمنيين الموجودين حاليا بالناظور بنحو 50 شخصا، والفلسطينيين بنحو 20.

وقال الناجي: «هؤلاء وضعهم مختلف، فهم لاجئين وليسوا مهاجرين. وهدفهم دخول مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين بغرض تسجيل أنفسهم كلاجئين».

وازداد الضغط على المغرب خلال الأشهر الأخيرة مع إغلاق طريق ليبيا في وجه المهاجرين الأفارقة. وارتفع عدد المهاجرين الذين يخترقون الحدود المغربية - الجزائرية في اتجاه شمال المغرب بحثاً عن فرصة لعبور مضيق جبل طارق.

وحسب المرصد الدولي للهجرة، فإن إسبانيا فاقت إيطاليا فيما يتعلق بوصول المهاجرين غير القانونيين عبر البحر، إذ يقدر عدد الذي عبروا الحدود الجنوبية لإسبانيا منذ بداية العام الحالي بنحو 23.5 ألف شخص، وهو رقم أعلى من الرقم المسجل خلال السنة الماضية، وقضى 304 خلال محاولتهم بلوغ سواحلها الجنوبية، وفق إحصاء لمنظمة الهجرة الدولية.

يذكر أن تقريرا أصدرته وزارة الخارجية الأميركية أخيراً سجل «استمرار السلطات المغربية في القيام بعمليات ترحيل قسري لمهاجرين في وضعية غير قانونية نحو وجهات داخل البلاد، انطلاقا من الناظور خصوصاً»، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى تراجع هذه العمليات في السنوات الأخيرة.