خيارات الجنوب وفرص الشمال

أنيس الشرفي

في ذكرى 7 يوليو 1994م الذي اجتاحت فيه قوى نظام صنعاء أرض الجنوب بالقوة العسكرية، وانقلبت على كل اتفاقيات مشروع الوحدة، وتمردت على المعاهدات الدولية، وقرارات الشرعية الدولية المعبر عنها في قراري مجلس الأمن الدولي 924، 931 لعام 1994م، وحولت الجنوب من شريك في مشروع الوحدة، إلى احتلال مكتمل الأركان، في هذه الذكرى يحيي شعبنا الجنوبي يوم الأرض ليجسد تعبيرًا عن إرادته ونضاله لاستعادة وبناء دولته المستقلة.

إذ يعيد هذا التاريخ إلى الأذهان حجم ما أحدثه الاحتلال العسكري الغاشم، من دمار وخراب طال الجنوب أرضًا وإنسانًا، حيث سلبت قوى نظام صنعاء ثروات الجنوب ونهبت ممتلكاته العامة والخاصة، واستولت على كل شيء في البر والبحر.

ولأجل إحكام قبضتهم العسكرية على الجنوب، أهدروا بموجب تشريعات قانونية وفتاوى دينية قتل الجنوبيين بما في ذلك المدنيين، وجيشوا تحت هذه الفتوى آلاف الإرهابيين العائدين من أفغانستان، الذين تم مكافأتهم بعد الحرب ببناء معسكرات لهم في الجنوب، واستخدامهم كأداة لتصفية كوادر الجنوب وقياداته، وتهديد وابتزاز أصحاب المصلحة الدوليين، للحصول على دعم دولي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ولا زالت أداة الإرهاب أحد أدوات قوى الزيدية لضرب الجنوب وتهديد الأمن والسلم الدوليين حتى اليوم.

لقد أثبت شعبنا في الجنوب على مدى ثلاثة عقود من النضال، بأنه عصي على التطويع، وقادر على إفشال كل محاولات حرف ثورته ونضاله عن مسار استعادة وبناء دولته المستقلة، وهو اليوم بما تحقق من مكتسبات سياسية وميدانية، بات أكثر اقتدارا على المضي قدمًا بثبات صوب تحقيق تطلعاته في استعادة وبناء دولة جنوبية فيدرالية مدنية ديمقراطية

وقد انتهج شعبنا ولا زالت قيادتنا في المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، تولي الأولوية للمساعي السلمية، لإدراكها كلفة الحروب والصراعات على الجميع جنوبا وشمالا، وحرصها على تجسيد القيم الإنسانية في الحوار والسلام والتعايش وحسن الجوار، واحترام الآخرين، وحفظ حقوقهم وصون مصالحهم، وسعيها إلى تأسيس مستقبل يسوده الود والتعاون والمصالح المشتركة مع الأشقاء في الشمال ودول الخليج والعالم العربي، ومع الأصدقاء في مختلف دول العالم.

فهل سيدرك نخب الشمال وقياداته السياسية والعسكرية والاجتماعية والدينية والفكرية ذلك البُعد، ويجنحون لخيارات السلم، بدلا عن نهج الغزو العسكري، وسياسات (فرق تسد، والتجهيل، والعقاب الجماعي، وحملات تخوين وشيطنة الجنوبيين واستباحة دماءهم وثرواتهم) التي أدلج نظام صنعاء على تكريسها منذ 1994م، ولا زالت سارية في تعامل مختلف قواه المتصارعة على السلطة حتى اليوم، رغم إن وضعهم اليوم لا يتيح لأيٍ منهم استخدام القوة لفرض خياراتهم على الجنوبيين.

فيا ترى هل يبرز من بين قوى الشمال من يغتنم هذه الفرصة ما دامت متاحة، فتكسب الجنوبيين عضيد وأخ وسند عند الشدائد، وتضمن مستقبل يسوده السلام والود وانفتاح على علاقات التكامل والتضامن وتبادل المصالح المشتركة في كافة المجالات وعلى مختلف المستويات؟

وهل يدركون إن لا بديل لذلك سوى استمرار الصراع، وخسارة الأرواح، وتفاقم المعاناة، وفقدان المصالح، وتدمير الشمال وانهيار مؤسسات الدولة في الشمال قبل الجنوب، وأن لا سبيل اليوم لفرض خياراتهم على الجنوب، بل ولا حتى على محافظات الشمال ذاته؟

وهل يدركون أن ما وصل إليه شعب الجنوب من قناعات راسخة، ومواقف ثابتة ترفض أي خيارات لا تنفتح على حقهم باستعادة وبناء دولة الجنوب المستقلة، لم يكن سوى نتاج لممارساتهم وسياساتهم المتجذرة تجاه الجنوب، والتي لم يعد ينفع معها أية حلول أو معالجات لا تسوعب خيارات المشروع الوطني الجنوبي المعبر عنه في الميثاق الوطني الجنوبي؟

يمتلك الشمال مقومات بشرية هائلة، وثروات وموارد وطنية كثيرة وفرص متعددة، إذا تفرغوا لبناء بلدهم، واتجهوا للاستثمار فيها، وتخلوا عن ثقافة الغزو، والسياسات الميكافيلية ونزعات الأصل والفرع، وثقافة التمييز الطبقي والطائفي والقبلي والمناطقي، فسيحققون قفزات نوعية خلال فترة قصيرة، بل وينافسون بذلك دولة الجنوب ودول المنطقة الأخرى، في التنمية وتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقرار السياسي والاقتصادي.


مقالات الكاتب