العرب اللندنية: ظلال الشكّ تتكاثف حول التعاطي الأممي مع الملف اليمني
تجلب طريقة تعاطي منظّمة الأمم المتّحدة مع الملف اليمني الكثير من الانتقادات للمنظّمة تصل لدى البعض حدّ الشكّ في تأثّر مبعوثيها وممثّليها في اليمن “بمواقف وتوجّهات أطراف في الصراع وبأجندات أطراف أخرى معنية بتوجيه الملف حسب مصالحها، الأمر الذي يمسّ مبدأ الحياد والعدالة الأساسي في عمل المنظّمة”.
ورفضت الحكومة اليمنية، الخميس، الاعتراف باتفاقية “الجسر الجوي الطبي” الموقّعة بين الأمم المتحدة والحكومة الموازية التي يديرها المتمرّدون الحوثيون من العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرتهم بقوّة السلاح.
وتنصّ الاتفاقية المذكورة التي وقّعتها منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي نهاية الأسبوع الماضي مع سلطات الأمر الواقع في صنعاء، على تسيير رحلات جوية انطلاقا من مطار المدينة لنقل أصحاب الحالات المرضية الحرجة للعلاج بالخارج.
ومأتى رفض الاتفاقية كونها موقّعة مع سلطات لا يعترف بها المجتمع الدولي والأمم المتحدة نفسها، الأمر الذي يفهم منه وجود محاولة لإضفاء الشرعية على الانقلاب الحوثي المدان بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2216.
وفضلا عن ذلك فإنّ المجال الجوّي اليمني مغلق من قبل التحالف العسكري لدعم الشرعية اليمنية بقيادة المملكة العربية السعودية لمنع نقل الأسلحة وسائر الإمدادات إلى ميليشيا الحوثي عبر الجوّ.
ووصف وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في وقت سابق الخطوة التي أقدمت عليها غراندي بأنها ” تطور خطير وسقوط مدوٍّ يكشف مستوى الدعم الذي تقدمه المنسقة الأممية للحوثيين في تحدّ صارخ لكل القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة اليمنية”.
وأضاف “الميليشيا الحوثية، وبعد أن فشلت في تهريب خبراء حزب الله وإيران وقياداتها للخارج عبر الضغط على الحكومة والتحالف العربي والمجتمع الدولي ومقايضتهم بتوجه وفدها لمشاورات جنيف3، ها هي منسقة الشؤون الإنسانية توقّع اتفاقية تفاهم معهم تتضمن رحلات سيتم تهريب تلك الشخصيات عبرها تحت مزاعم الحالات الحرجة”.
وما شجّع المعترضين على القرار والرافضين له على إثارة شبهة السعي لشرعنة الانقلاب من قبل الأمم المتحدة، كون هذا التوجّه واضح المعالم في تحرّكات المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث الذي يتعامل في مختلف خطواته الهادفة لإعادة إطلاق المسار السلمي، مع المتمرّدين الحوثيين المدانين بقرار أممي كطرف متساو مع السلطات المعترف بها دوليا.
وخلال لقاء وكيل وزارة الخارجية اليمنية للشؤون السياسية منصور بجاش، في العاصمة السعودية الرياض، مع الممثلة المقيمة للأمم المتحدة منسقة الشؤون الإنسانية ليز غراندي، عبّر المسؤول اليمني عن “انزعاج واستنكار” الحكومة اليمنية لتوقيع المنسقة الأممية مذكرة تفاهم مع “هشام شرف وزير خارجية الحوثيين حول تشغيل الجسر الجوي الطبي للمرضى اليمنيين”.
وأضاف بجاش أن ذلك “يتعارض مع التزامات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، وسينعكس سلبًا على العلاقات المتميزة بين الحكومة والمنظمات الدولية”.
وأكد المسؤول اليمني أن تواجد مكاتب المنظمات الدولية في صنعاء، الواقعة تحت احتلال الميليشيات الانقلابية “لا يبرر مطلقًا خضوع تلك المنظمات للابتزاز لتوقيع أي اتفاقيات مع ميليشيا لا تمثل الشعب اليمني”. وأضاف “أن الحكومة لن تعترف بهذا الاتفاق”.
ومن جهتها قالت غراندي إنّ “الأمم المتحدة ملتزمة بالقرارات الدولية ولا تعترف إلّا بالحكومة الشرعية”، مضيفة أنّ مشروع الجسر الجوي الذي أخذ وقتا من النقاش بين الأمم المتحدة وممثلي الحكومة الشرعية سيتم التوقيع عليه في المكان والزمان المناسبين” من دون تحديدهما.
ويثير منتقدو التعاطي الأممي مع الملف اليمني ما يعتبرونه “توظيفا سياسيا للملف الإنساني، وهو ملف حقيقي يستحقّ معالجة جذرية، دون السقوط في تجييره لمصلحة أحد أطراف الصراع”.
ويرى أصحاب هذا الطرح أن الحوثيين يستفيدون فعلا من توظيف الأوضاع الإنسانية، رغم أنّهم المسؤولون المباشرون عن خلقها، باعتبارهم الطرف المبادر بالاعتداء والمسؤول عن تفجير الحرب وما جرّته على البلد وشعبه من مآس وكوارث.
ويشيرون إلى توقيتات إثارة الملف وتصعيده إلى الواجهة، في كلّ مرّة تكون فيها القوات اليمنية المدعومة من التحالف العربي على وشك تحقيق تقدّم في عملية استعادة مناطق اليمن من أيدي المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران.
وبالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ معركة محافظة الحديدة المطلّة على البحر الأحمر بغربي اليمن، نموذج واضح لذلك، إذ أنّ المعركة التي توقّفت قبل نحو شهرين ونصف الشهر لإتاحة المجال أمام جهود غريفيث، وفي ظلّ موجة من التحذيرات الأممية من الأوضاع الإنسانية وإثارة المخاوف بشأن مصير سكان المحافظة، عادت مؤخرا لتشتعل بزخم كبير، وعادت بالتزامن مع ذلك التحذيرات نفسها.
وتعوّل أطراف يمنية على معركة تحرير الحديدة لإحداث تحوّل في طريقة التعاطي الأممي والدولي مع الأزمة اليمنية. وبالنسبة إلى أنصار الحلّ العسكري فإنّ تأخير حسم المعركة ينطوي بحدّ ذاته على تبعات إنسانية حيث يساهم في إطالة أمد النزاع وما يترتّب عنه من تبعات، فيما حسمها بالسرعة المطلوبة يعني إنهاء معاناة المدنيين في أقرب وقت.