التعليم في اليمن..أزمة مستدامة في زمن الحرب

الجمعة 28 سبتمبر 2018 14:25:30
testus -US
خاص المشهد العربي عادل حمران
 كما أدت الحرب التي أشعل فتيلها مليشيات الحوثي الانقلابية إلى تدمير المنشأت التعليمية تسببت أيضاً في بداية لانهيار التعليم بشكل تام خاصة بعد أن توقفت العملية التعليمية في جميع المدارس والمعاهد - وقريبا كليات جامعة عدن -لأكثر من شهر، وذلك بعد إضراب المعلمين بسبب تجاهل الحكومة لمطالبهم وعلى رأسها زيادة المرتبات.
 
ويبدو أن ملف التعليم حُشِر وسط أزمات مصاحبة متشعبة الأوجه والأطراف والأهداف والنوايا ؛ فالحكومة الشرعية التي بدت عاجزة أو غير أبهة حيال توقف الدراسة في جميع مدارس محافظات عدن ولحج وأبين والضالع  لم تحرك ساكنا لحلحلة هذا الوضع الاستثنائي وكأن الأمر لا يعنيها ؛ رافضة البحث عن أي حلول يمكنها زحزحة الأسباب التي قادت إلى إعلان نقابة المعلمين الجنوبيين إضرابا مفتوحا عن العمل منذ مطلع سبتمبر الحالي ؛مقدّمة حزمة من المطالب الحقوقية قالت النقابة إنها لن ترفع الإضراب دون تلبيتها من قبل الحكومة الشرعية وعلى رأس تلك المطالب زيادة عادلة في رواتب المعلمين .
 
ويرى المعلمون بأن تلك المطالب لم تعد ً أو وسيلة ضغط سياسية بقدر ما هى ضرورة وحاجة لا يمكنهم أداء رسالتهم التعليمية دون الحصول عليها خاصة بعد انهيار قيمة العملة المحلية وهبوط قيمة رواتبهم بالمتوسط إلى أقّل من 150$ مقارنة ب270 $  قبل اندلاع الحرب كما يطالب المعلمون أيضا بعلاوات وبدلات وتأمين صحي .
 
وتعود بداية أزمة الريال اليمني إلى انقلاب مليشيا "الحوثي وصالح" على السلطة، في سبتمبر 2014، ونهبها احتياطي النقد الأجنبي، البالغ 4.25 مليارات دولار أمريكي، قبل أن يقرّ الرئيس، عبد ربه منصور هادي، نقل البنك إلى عدن، في سبتمبر 2016.
 
وقال معلمون بشأن  فريّة وضع الحرب ونقص الموارد لدى الدولة يرددها مناصرون للحكومة إن هذه الحجّة مردود عليها وتدحضها أرقام الإنفاق والإسراف والتبديد المهول - خارج الأطر القانونية - الذي تمارسه الحكومة بعيداً عن أي وازع من ضمير أو مسؤولية ؛ فبحسب مصادر في البنك المركزي فإن الحكومة الشرعية قد بددت خلال أقل من 8 أشهر 930 مليار ريال تقول بأنها تذهب في بند الرواتب وبحسب المصادر ذاتها  فإن الحكومة لا تدفع رواتب غالبية الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين كما أنها لا تدفع رواتب العسكريين الذي يتحمل التحالف دفعها بديلا ً عنها منذ أكثر من 3 سنوات، ناهيك عن بقية الموارد التي تأتيها من عمليات تصدير النفط والمنافذ البرية والبحرية والضرائب والتي تصل قيمتها سنويا لأكثر من 800مليار  ريال .
 
وهذه الأرقام بحسب المعلمين والنقابة فيها رد واف وكاف عمّن يسعى إلى تبرير التبذير والفساد الذي تمارسه الحكومة الشرعية ؛ وليتها تقوم بعملها حيال بقية الملفات ضمن مهامها ومسؤوليتها المباشرة ويستدركون لكنها أثبتت فشلاً متواصلاً في كافة المجالات عسكريّا وسياسياً واقتصادياً وحتى اجتماعياً .
 
تحذير مسبق  
 
 
قبل بدء العام الدراسي بشهر قدمت نقابة المعلمين الجنوبيين إلى وزير التربية و التعليم "عبد الله  لملس " بستة مطالب وأمهلته شهراً لتلبيتها باعتبارها حقوق مستحقّة لجميع المعلمين غير أن الوزير الذي اعتقد بحسب أعضاء في النقابة " بأن النقابة لا تستطيع فرض العصيان وقال على صفحة الوزارة معلّقا " هذه النقابة غير معترف بها "  .
 
في 14 من سبتمبر التقى الوزير بممثلين عن النقابة قدم المعلمون خلال المقابلة حزمة من المطالب متمثلة في التالي " "الإقرار بأن أجور ومرتبات المعلمين لم تعد تتناسب مع ظروف الحياة ، وضع حل نهائي وحاسم لقضية موظفي العام 2011م وإدخالهم كشف الراتب بشكل قانوني، إعادة كل ما يخص المعلم من علاوات سنوية وتسويات، حسم قضية التربويين المحالين للتقاعد وصرف جميع المستحقات المالية المتراكمة لدى الحكومة دفعة واحدة ، نقل رواتب المعلمين المنقولين من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية ".
 
لا حلول في الأفق 
 
عقب الاجتماع طلب الوزير مهلة لمناقشة هذه المطالب مع الجانب الحكومي غير أن هذا لم يحدث حتى اليوم لتستمر الأزمة التي باتت تؤرق أولياء أمور الطلاب الذين باتوا في حيرة من أمرهم فالكثير منهم يتفهم المطالب المشروعة للمعلمين 
 
ولإلقاء الضوء على هذه المشكلة  زار محرر موقع " المشهد العربي " عدد من المدارس في العاصمة عدن والتقى بعدد من الأستاذة وأعضاء في نقابة المعلمين الجنوبين .
 
الأستاذة "  امتثال جميل " رئيسة نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين في مديرية خور مكسر قالت " إن النقابة اتخذت  قرار الاضراب هذا العام بعد أن نفذ صبر المعلمين والتربويين الجنوبيين على حكومة الفساد فقد وعدتنا الحكومة بأنها ستلبي مطالبنا العام الماضي بشرط أن نعلق الإضراب وهذا فعلاً ما قمنا به وبدأنا التدريس وانتهى العام الدراسي ولم تعمل الوزارة أي شيء لأجلنا ، لكم أن تعرفوا بأن راتب المعلم كان أكثر من 260$ اليوم صار راتبه 85$ والعلاوات متوقفة منذ 2011م وكل ما نحتاجه لإتمام العملية التعليمية غير متوفر حتى أقلام السبورة و الممحاة  المعلم من يقوم بشرائها من راتبه الزهيد  .
 
راتب الجندي ضعف راتب المعلم 
 
وأضافت الأستاذة امتثال في تصريح خاص لـ" المشهد العربي " نعمل للأسف داخل المدارس في ظروف صعبة لا كهرباء  ولا ماء صالح للشرب نعمل منذ الصباح وحتى الظهيرة بدون مراوح في الفصول وهذا بحد ذاته يشق على المعلم وخصوصا وقت الظهيرة يعني تسقط مغمي عليك مافي مجال يسعفوك إلا إذا عندك فلوس تروح تتعالج على حسابك الخاص المعلم بدون تأمين صحي "٠ 
 
وتابعت الأستاذة  امتثال بوجع :" نحن أولياء أمور ولسنا معلمين فقط إذا لم يتم النظر في حقوقنا لن نستطيع تعليم أبنائنا ولا نملك ما نطعمهم به ، فقد تقلصت حتى وجباتهم وهم في سن نمو وهكذا تعسر علينا شراء أغراض المدارس ، وتساءلت " أليس من حق أولادنا التعلم والعيش الكريم ؟  الكثير من المعلمين تَرَكُوا المدارس وانخرطوا في البحث عن أعمال أخرى ، للأسف صار راتب الطالب الذي أدرسه ألف ريال سعودي لأن لديه رقم عسكري وأنا معلمته راتبي لا يساوي نصف راتبه "٠
 
مطالب معلمو الجنوب ليست ضد التعليم
واختتمت حديثها " يجب أن تعرفوا بأن دعوات نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين ليست ضد التعليم نحن نسعى لخدمة التعليم وتصحيحه من خلال منح المعلم كامل حقوقه لكي نحسن من جودة التعليم ومحاربة ظاهرة الغش بالمدارس كونها ظاهرة تفشت في مدارس الجنوب تحديداً بعد قيام الوحدة اليمنية عام 90م والهدف منها تجهيل الجيل الجنوبي والجميع يلاحظ نتائج الثانوية العامة درجات عالية ومستوى متدني جدا نريد أن نطور التعليم في بلادنا لكي نبني جيل متسلح بالعلم و القيم و المبادئ ليرتفع بذلك شأن الوطن والمواطن "
 
 
شعور بالعجز والاحباط  
 
ليست النقابة وحدها من تعاني فمعظم المعلمين مع قرارات النقابة بعد أن شعروا بأنهم أمام مجاعة ووضع معيشي صعب للغاية؛ فما تكاد تقدم سؤال إلا وتجد الجميع يعبر بطريقته وهذا ما وجدناه في مدرسة خالد بن الوليد حيث عبرت معظم المدرسات عن آرائهن وتحدثنّٓ لمحرر موقع " المشهد العربي " عن المعاناة التي تواجه التعليم في اليمن .
 
" نحن أمام عام مضطرب منذ البداية غلاء فاحش وانهيار اقتصادي وأزمات مختلفة نشعر بالإحباط وعجزنا عن إكمال مهمة التعليم في هكذا وضع مؤسف لم نتوقع بأن الحال سوف يصل بناء إلى حالة نعجز فيها عن توفير احتياجاتنا  الضرورية أو مستلزمات أطفالنا المدرسية نشع بالحرج حينما نقف عاجزين عن تلبية أبسط حقوقهم " إفادة خصت بها الاستاذة رضاء عبدالغني موقع  " المشهد العربي " في إطار بحثنا عن استقراء جوانب المشكلة من الميدان .
 
وأضافت رضاء :" يعلم الجميع أن رواتب المعلمين ضئيلة جداً ولم تعد تكفي لمتطلبات الحياة لهذا اضطررنا مجبرين وآسفين إلى تنفيذ مطالب نقابة المعلمين والتربويين بعد أن خذلتنا الحكومة وأصبحت كل وعودها لنا مجرد سراب لن ننصاع لهم إلا حين يستجيبون لنا".
 
 وأوضحت :" مطالبنا مشروعة وناقشناها مع الحكومة منذ سنتين ولكن الحكومة لا تفي بوعودها ، ولم توفر أي شيء فالمدارس تعاني من نقص الفصول الدراسية ونقص الكتاب المدرسي وكذلك نقص الأثاث المدرسي و المختبرات التعليمية ، نتمنى بأن تفي الحكومة بوعودها وتراجع أوضاع القطاع التربوي والتعليمي من أجل أجيالنا فهم حاضر اليوم ومستقبل الغد "٠
 
حقوق مكتسبه وفساد مستشري 
 
بدوره قال مدير دائرة الإعلام والنشر في مكتب التربية و التعليم في عدن الأستاذ عبدالفتاح العود لموقع " المشهد العربي " إن العام الدراسي هذا العام بدأ في ظل ظرف في غاية الصعوبة، وهى خلاصة تراكمات حالة الفساد المستشري الذي أعجز الحكومة عن معالجة الاحتياجات الأساسية التي تهم المواطن، علاوة على تغول الدولار وضربه لعملتنا المحلية هذه الأسباب أدت إلى حالة العصيان المتزامن مع مطالب نقابة التربويين الجنوبية والتي تمثلت في مطالب وحقوق مكتسبة تغافلت عنها القيادة السابقة في وزارة التربية والتعليم وأصبحت ملفا ثقيلاً عجزت عن حله القيادة الجديدة وهى طبيعة العمل والعلاوات والتسويات منذ سنين مضت ربما 2011 علاوة على غلاء المعيشة والفساد المستشري بدءا من مديري عموم الإدارات حتى الوزراء والحكومة برمتها. 
 
وأضاف العود :" المواطن يعيش وضع معيشي صعب بالكاد ومديرو عموم ووزراء ووكلاء وزارات لهم شقق وعقارات في مصر وتركيا وقطر والإمارات ، كل هذه التراكمات جعلت الشارع والبيئة التعليمية التربوية متعكرة الأجواء ومتعثرة كون العملية التعليمية لا تتم إلا في أجواء صحية وطبيعية ".
 
 وتابع العود قائلاً : " الأخ وزير التربية والتعليم د.عبدالله لملس التقى بالقيادة التربوية وكان صريحا وواضحا في حقوق التربويين وسعيه لتطبيع العملية التعليمية والتربوية حيث قال إنه طرح على القيادة إمكانية الزيادة لأن تكون 50% لكن ربما للظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا تم الوقوف على 30% والمشهد ربما سيكون أفضل فيما لو تم معالجة هذه الاشكاليات واستتباب الوضع العام إلى الحالة الطبيعية ، نهاية هذا الشهر حسب وعد الحكومة لامتصاص حالة الغليان الشعبي الذي تفجر نتيجة لتراكم المظالم .