أكد الدكتور طاهر بومدرة خبير القانون الدولي الإنساني، الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق، في الفترة من عام 2009 وحتى عام 2014، أن تقرير فريق الخبراء لمجلس حقوق الإنسان الذي صدر مؤخراً، افتقر إلى العديد من العوامل الأساسية حتى يرتقي لأن يصبح تقريراً يعتد به، مشيراً إلى أن التقرير تنقصه المهنية في استعمال طرق التحقيق والتحري للأحداث، وكانت لا تساير معايير الأمم المتحدة المعروفة لأي بعثة من بعثات تقصي الحقائق.
الافتقار للمهنية
وقال الدكتور بومدرة في حوار صحيفة «الاتحاد» الإماراتية عبر الهاتف من العاصمة البريطانية لندن: «إنني كنت في جنيف بعد الفعاليات الجانبية لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وكان هناك نوع من الإجماع على أن هذا الفريق يفتقر للمهنية في استعمال معايير الأمم المتحدة لبعثات تقصي الحقائق».
وتناول الدكتور بومدرة التقرير مفنداً ما ورد به قائلاً: «إن فريق الخبراء كان يعتمد على السكرتارية التي قام أفرادها بالقيام بالتحقيقات، وذلك بحسب الأوامر التي أعطيت لهم من أعضاء الفريق الذي تذرع بأن الوضع الأمني لا يسمح بالوجود في الميدان، وليس الخبراء الذين سافروا إلى اليمن من أجل تقصي الحقائق! كما أن التقرير بني من الأساس على فرضيات خاطئة أولها اعتبار أن الأزمة في اليمن بدأت منذ عام 2011 بعد قيام حركة ثورية وهذا في حد ذاته منافٍ للواقع، حيث إن ما يدور اليوم في اليمن لا علاقة له بالربيع العربي، إلا أن الحقيقة والواقع في اليمن أن ميليشيا الحوثي بدأت في تهديد الحكومة المركزية في عام 2004 والدليل أن بدر الدين الحوثي قتل في التحديات العسكرية في العام ذاته وأن ما يجري لا علاقة له بأحداث 2011 في إطار مساعي استبدال النظام الحاكم في اليمن وقتها آنذاك ولا هي أيضاً حركة ديمقراطية».
وأوضح أن اللغة التي استخدمها فريق الخبراء فيما يتعلق بتحديد أطراف النزاع في التقرير كانت غير موضوعية وغير محايدة أيضاً، كيف يرجعون إلى القوات الحكومية ويصفونها بالقوات الموالية للحكومة وهذه لغة مبالغة وفيها الكثير من المواراة أكثر مما توضح الواقع. وبالنسبة للطرف الآخر الذي يرجعون إليه على أساس السلطة الفعلية جعلوه طرفاً في النزاع بشكل ينافي القانون الدولي، إذا كانت حركة إرهابية أو مسلحة، ولكن بالنسبة للقانون الدولي الإنساني حينما تكون انتفاضة بشكل مسلح وتفرض سيطرتها على إقليم معين أو جزء من الإقليم فحينها تنتقل صفة طرف النزاع من كونه حركة متمردة إلى حركة مسؤولة عما يجري في المناطق تحت سيطرتها في حين أن تقرير الخبراء يشير إلى أن الحكومة اليمنية تبقى مسؤولة عن الأراضي التي تقع تحت سيطرة ميليشيا الحوثي وهذه الفرضية خاطئة أيضاً وغير موجودة في القانون الدولي الإنساني، وإنه بمجرد وجود قوة لها جيش وتسيطر على إقليم تبقى مسؤولة عن احترام القانون الدولي الإنساني.
وكشف الدكتور بومدرة، أن أعضاء الفريق تذرعوا بأن الوضع الأمني لا يسمح بالتواجد في الميدان وإن التقرير ينص على أنهم زاروا كثيراً من المناطق ولكن السلطات المعنية في الحكومة اليمنية أكدت أنهم زاروا فقط عدن وصنعاء ولأيام معدودة جداً، ولهذا يبدو أن التقرير لا يطابق حقيقة الوضع وهذا يعكس أن الفريق ينقصه الكثير من المهنية.
تقرير التناقض
وعن مهمة فريق الخبراء وما وقع فيه من تناقضات يمكن أن تقضي على مصداقية التقرير الذي أصدره، قال الدكتور بومدرة: «إن قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 3631 حدد مهمة الفريق ويعطي الفريق صلاحية التحري والبحث المعمق فيما يتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولكن المهم جداً هو أن كل ما يتعلق بالقضية تناساه فريق الخبراء وتجاهله تماماً وتحديداً النقطة الثالثة وهي (جريمة العدوان)، حيث إن قرارات مجلس الأمن التي صدرت تحت البند السابع كانت قد حملت ميليشيا الحوثي ارتكابها جريمة استعمال القوة ضد الحكومة بشكل غير شرعي، واتخاذ إجراءات عقابية ضد الحكومة اليمنية الشرعية من شأنها تقويض سلطتها ومنعها من السفر، وبالتالي أصبحت ميليشيات الحوثي مجموعة غير شرعية ولا يمكن التفاوض معها، إلا أن هذا التقرير أعطاها نوعاً من «الشرعية» وفتح المجال أمام أطراف أممية أخرى للجلوس معها على طاولة المفاوضات.
وأضاف أن «ستة قرارات لمجلس الأمن استندت إلى البند السابع، بهدف استعادة الحكومة الشرعية ومنح الدعم للتحالف العربي، ومكافحة عدوان الحوثيين واستعادة القانون والنظام»، مشيراً إلى أن هذه القرارات ملزمة وتسلط العقوبات على ميليشيات الحوثي، وتشمل أن تدخل في حدود المعاقبة على جريمة العدوان أو جريمة استعمال القوة بطريقة غير شرعية، وهؤلاء لا يمكن لأي طرف من أطراف الأمم المتحدة التفاوض معهم لأنهم يقعون تحت طائلة الأمم المتحدة.
تقرير يشرع الانقلاب
وانتقد الدكتور بومدرة التقرير الذي أصدره فريق خبراء مجلس حقوق الإنسان، حيث إن التقرير جاء لتجنيب ميليشيا الحوثيين قرارات مجلس الأمن وإعطائهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة نوعاً من الشرعية وهذا يضعف من قيمة هذا التقرير، لاسيما في الوقت الذي تضمن التقرير عدة ملاحق توضح بشكل مفضوح أن هذا الفريق لم يكن محايداً على الإطلاق ولم يعمل بموضوعية لأنه في أحد الملاحق يتحدث عن عمل الحكومة في تحديد وتقليص دخول المساعدات إلى المدنيين في مناطق تحت سيطرة المليشيات الحوثية، وهذا الملحق تزيد المعلومات فيه عن التقرير ذاته ويركز على مسؤوليات الحكومة اليمنية ولم يتطرق بكلمة واحدة لما تمارسه ميليشيات الحوثيين من انتهاكات.
وأوضح أن مجموعة فريق خبراء مجلس حقوق الإنسان قد ورطت نفسها بالفعل ووضعت المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ورطة أيضاً وقامت بإحراج مجلس حقوق الإنسان نفسه، بدليل أن المجلس تجاهل اتخاذ قرارات بتمديد عهدة الفريق الذي أعد التقرير «غير المحايد»، وتم تأجيل تمديد عمله حتى آخر يوم في مجلس اجتماعات حقوق الإنسان، وهذا يعطي مؤشراً على الارتباك داخل مجلس حقوق الإنسان.
البحث عن مخرج
وعن رحلة الخروج من هذا المأزق، قال الدكتور بومدرة: «إن مجلس حقوق الإنسان الذي يشهد حالة من الانقسام بشكل سياسي وليس على أساس قانوني الآن أرى أن الأمر صعب جداً، حيث إنه من المفترض أن يكون الفريق محايداً ومستقلاً وبهذه الفرضية يجب أن يخرج التقرير بالشكل المطلوب فيه الحيادية، إلا أن فريق الخبراء أثبت أنه غير مهني وغير مطلع على الإرشادات التوجيهية للأمم المتحدة وتوصيتها في كيفية إجراء مهمة تقصي الحقائق. ويبدو أن هذا الفريق لا يملك البدهيات قبل بدء المهمة وهم سواء عن قصد أو عن جهل لم يتصرفوا وفق الإرشادات وارتكبوا أخطاء جسيمة تحول بين عودتهم لأداء مهمة أخرى لتقصي الحقائق، فكان من المفترض إعادة تشكيل اللجنة وهذا ممكن في بضعة أيام، أن يسمي المفوض السامي لحقوق الإنسان فريقاً آخر للرجوع مرة أخرى للبحث وتقصي الحقائق بشكل معمق، حيث إن التقرير الثاني الذي يمكن أن يصدر في حال تم إرسال فريق آخر، يجب أن يعطي كل ذي حق حقه وأن يتحلى بالحيادية والاستقلال».
وأضاف «دول التحالف قامت بتحقيقات في بعض الادعاءات بارتكاب أخطاء في إطار طلعات جوية في بعض المناطق التي يقال إنها مدنية، ودول التحالف حققت بالفعل في 71 قضية إلا أن فريق الخبراء اعتبر كل التحقيقات غير موضوعية وغير محايدة، كما اعتبر لجنة حقوق الإنسان اليمنية غير محايدة وذلك من دون إعطاء أي تفسيرات ودون الرجوع إلى أي قواعد قانونية، فقط الاعتماد على آراء مسبقة، الأمر الذي يؤكد عدم حيادية فريق الخبراء هذا».
التقرير غير المتوازن
وأوضح الدكتور بومدرة أن الفقرة 28 من تقرير فريق الخبراء ترجع معظم الخسائر المدنية الموثقة إلى الضربات الجوية للتحالف، وتخصص 13 فقرة للضربات الجوية أثناء التصدي للاعتداءات الحوثية. ويؤكد أن فريق الخبراء يضع خلافاً لقرارات مجلس الأمن، الصراع في اليمن في سياق الربيع العربي باعتباره انتفاضة شعبية ضد حكم علي عبدالله صالح. وفي ذلك إخفاق واضح في وضع النزاع في سياقه التاريخي الصحيح للحركة الحوثية التي تتحدى الحكومة المركزية اليمنية في ضوء إعادة تأسيس الإمامية الوراثية كشكل من أشكال الحكم، ولا يذكر أن الحوثيين قد دخلوا في نزاع مسلح ضد الحكومة 6 مرات منذ عام 2004.
وفي المقابل، كان يُشار إلى ميليشيا الحوثي بـ«سلطات الأمر الواقع» وهذه المصطلحات تمنح الحوثيين وضعاً خاصاً يفتح الطريق أمام الاعتراف بهم كحكومة موازية. وعلاوة على ذلك، وباستخدام هذين المصطلحين للتمييز بين قوى الصراع، فقد أخذ التقرير من المعادلة عدداً من الجهات الفاعلة الأخرى، مثل الجماعات الإرهابية «القاعدة في الجزيرة العربية» و«داعش» الذين يقاتلون ضد القوات الحكومية.
لا ثورة شعبية
ويفند الدكتور بومدرة الفقرة 17، والتي أشار التقرير فيها إلى «الثورة الشعبية» لعام 2011 كنقطة بداية للنزاع، قائلاً: الحقيقة هي أن الذين نهضوا ضد حكم علي عبدالله صالح ليسوا أولئك الذين حملوا السلاح للإطاحة بالحكومة الشرعية في اليمن واحتلوا صنعاء وأنشأوا حكومتهم الخاصة. لقد بدأ الصراع بين الحوثيين والحكومة المركزية قبل ذلك بكثير. كما تنص الفقرة 13 على أن الحكومة تحتفظ بالتزامات إيجابية فيما يتعلق بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان في المناطق التي فقدت فيها سيطرتها الفعلية.
مخالفات للقانون الدولي
وقال الدكتور بومدرة «إن هذا البيان مخالف للقانون الدولي للنزاعات المسلحة، حيث يعترف القانون الدولي للنزاعات المسلحة بالحالات التي يقع فيها التمرد ضد الحكومة دون السيطرة على أي منطقة ودون وجود جيش منظم يطبق قواعد الحرب وعاداتها. هذا هو المعروف باسم حالة التمرد ويخضع للقوانين المحلية بما في ذلك القانون الجنائي المحلي. وعندما يتطور الصراع وينظم المسلحون جيشاً نظامياً ويمارسون سيطرة فعلية على إقليم ما، فإنهم يعاملون كمقاتلين، وإن المتحاربين كونهم السلطة الفعلية للإقليم الخاضع لسيطرتهم ملزمون بقواعد وأعراف الحرب بشكل مستقل عن الحكومة المعترف بها، وهم مسؤولون عن حماية حقوق الإنسان والتعامل بحسب المبادئ الإنسانية والالتزامات الدولية المعروفة في مثل هذه الحالات».