الخروج من عنق الزجاجة
عادل المدوري
في الجنوب ومنذ العام 90م تعرض الشعب لتدمير ممنهج ولكل ألوان وأشكال القهر السياسي، والجغرافي، والثقافي، والاقتصادي، أي لقهر حضاري مكتمل الأركان.. وجُوِّع وأُهين في لقمة عيشه وقوت أطفاله، ونُهبت ممتلكات دولته التي كانت توفر له العيش الكريم. كانت دولته تهتم وتفكر وتخطط لأجل راحته وإسعاده، تعليم مجاني وإلزامي على جميع المواطنين ومساواة بين الجنسين، وفّرت له العلاج المجاني بكوادر محلية وأجنبية، دعمت المواد والسلع الغذائية الأساسية والخدمات ووفرتها بأسعار رمزية وجودة عالية إلى كل المدن والأرياف، وفّرت فرص العمل للجميع، وفتحت المصانع في عدن وبقية المدن.
كانت الحكومة تحترم المواطن وتسعى إلى رفع المعاناة عن كاهله، ونجحت في القضاء على الفقر والمرض والأمية، ووفرت الأمن والأمان، وعاش المواطن في عز وكرامة ومرفوع الرأس.
جاءت الوحدة وفجأة وبدون سابق إنذار دخل المواطن الجنوبي عنق الزجاجة، توالت عليه الحكومات والأزمات والإرهاصات خلال السنوات الثماني والعشرين الماضية، جنى المواطن خلالها مزيدا من الظلم والفساد والفقر وسلب للحقوق والحريات. تعالت الأصوات في الجنوب لكن صنعاء كانت ترفض الاعتراف بوجود مشكلة أو حتى بوجود شيء اسمه جنوب من الأساس، بل إن هناك مجموعة من المخاليف تم إعادتها إلى الأصل، الأمر الذي جعل التغيير السياسي حاجة ملحة للجميع حتى في الشمال أكثر من أي وقت مضى.
جاء التغيير المنشود، لكن التغيير الذي أتى بالرئيس هادي وحكومة الشرعية لم يكن تغييرا حقيقيا بل تبادلا للأدوار، على نحو لم يكن المقصود منه نقل السلطة ديمقراطيا إلى الشعب لاختيار قيادته بانتخابات تنافسية حرة ونزيهة، لكنه تغيير صنع في فنادق فارهة على موائد الطعام الملكية يتبادلون الابتسامات الشريرة، وبعد انتهاء مراسيم (الصفقة المشبوهة) عادوا لممارسة هواياتهم للمتاجرة بتدمير البلد وتجويع المواطن وابتزازه، حيث أصبح الفساد السياسي والمالي والإداري من الطقوس اليومية، حتى سئم المواطن من المسؤولين الحكوميين الذين لا يمتلكون أدنى حدّ من المسؤولية، ومستعدون أن يبيعوا كل شيء ذي قيمة في البلاد طالته أيديهم المدنسة والتصرف في أموال وممتلكات الدولة كأنها ملكية خاصة.
أما اليوم فقد طفح الكيل ولا يمكن للحكومة الحالية أن تستمر في فسادها، لاسيما وأن الغضب الشعبي العارم والإضرابات في جميع القطاعات الحكومية والخاصة لهي رسالة رفض للحكومة وفسادها وتعريض الشعب للخطر، ولا مكان بيننا لمن يريد حرف الاحتجاجات عن مسارها أو التسلق لتحقيق أجندات خارجية، فالشعب الجنوبي أصل العرب وسيظل إلى جانب أشقائه العرب، فالتحالف دعم وساند المقاومة الجنوبية في تحرير الجنوب والمقاومة الجنوبية نصرت التحالف في كل الجبهات.
ولكي نستطيع الخروج من عنق الزجاجة لابد من تغيير يصنعه الشعب بنفسه يعبر عن تطلعاته للعيش بكرامة على أرضه وإرساء دعائم المصالحة الحقيقية القائمة على أساس العدل والإنصاف ورفع الظلم، وأن يحترم فيها المواطن وحاجاته الأساسية، ويكون فيها الإنسان محور التغيير والتنمية والأمن والاستقرار، فالحديث عن حلول كيدية وكيانات مستنسخة أو مبادرات لحل القضية الجنوبية لاتحظى بقبول المواطن الجنوبي أولاً وإن قبلها المجتمع الدولي بأكمله ولا تعطي المواطن في الجنوب أدنى حقوق العيش بكرامة، ولا تلبي مطالب الشهداء الذين ضحوا من أجلها، لم ولن تمرر مهما بلغت قوة الداعمين، سواء كانوا من الداخل أو الخارج، فالحركات والجماعات التي لا يقودها الوعي بالقضية تتحول إلى إرهاب، والكيانات التي يغدق عليها المال المشبوه يتحول قياداتها إلى لصوص ومجرمين.