إطلاق سراح القس الأميركي.. أصابع أردوغان تحرك القضاء التركي
فتح إطلاق سراح القس الأميركي أندرو برانسون، الجمعة، الباب أمام تساؤلات عدة بشأن نزاهة القضاء التركي، الذي بات في قبضة الرئيس رجب طيب أردوغان، لا سيما بعد تعديل الدستور الذي منحه صلاحيات واسعة.
ومن هذه الصلاحيات، السماح للرئيس التركي بالتدخل في عمل القضاء، وذلك من خلال تعيين 4 أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين، وهو المجلس الذي يملك سلطة التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يملك البرلمان سلطة تعيين 7 أعضاء.
وبموجب هذه الصلاحيات، تدخل أردوغان في إطلاق سراح برانسون، غداة حديث عن صفقة بين أنقرة وواشنطن، وبعد أشهر من التصريحات النارية لأردوغان والتي شدّد خلالها على أن الحكم في هذه القضية بيد القضاء ولا يمكن لأي سياسي التدخل فيها.
ووفقا لوسائل إعلام تركية، فقد صرّح الرئيس التركي، الخميس، خلال لقائه عددا من الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية أثناء عودته من زيارة أجراها للمجر: "تركيا دولة قانون، وعلى الجميع احترام القرار الذي سيصدر بحق القس الأميركي أندري برانسون الذي يحاكم في تركيا بقضايا تجسس وإرهاب".
وأوضح أن القانون يطبق على الجميع في تركيا، وأنه لا يمكن لأحد التدخل في قرارات الأجهزة القضائية، بما في ذلك رئيس الجمهورية.
وفي سبتمبر، أكد أردوغان في مؤتمر صحفي أثناء حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أن محاكمة برانسون "شأن قضائي"، مضيفا: "لقد جرى احتجاز برانسون لاتهامات بالإرهاب. ستعقد جلسة في 12 أكتوبر ولا نعلم ما ستقرره المحكمة، ولن يكون للساسة رأي في الحكم".
وأشار: "بصفتي الرئيس، ليس من حقي إصدار أمر بإطلاق سراحه. قضاؤنا مستقل. لننتظر ونرى ما ستقرره المحكمة".
وعقب انتهاء المحاكمة، سارع فخر الدين ألتون، مدير الاتصالات في الرئاسة التركية، إلى الإشادة بالقرار واصفا ذلك بالقول إنه "أعاد التأكيد على أن تركيا بلد ديمقراطي يتمتع بحكم القانون"، مشددا على أنه لا يمكن أن تكون هناك وصاية على القضاء المستقل والمحايد"، وفق ما نقلت "سي إن إن".
ولفت إلى أنه "المادة 138 من الدستور التركي تنص بوضوح وبشكل صريح على أن القضاة يتمتعون بالاستقلال في ممارسة واجباتهم ويحكمون وفقا للدستور والقانون وضميرهم. لا يجوز لأي هيئة أو سلطة أو مكتب أو شخص أن يصدر أوامر أو تعليمات إلى المحاكم ولا للقضاة في ممارسة صلاحياتهم أو إرسال مذكرات لهم أو تقديم توصيات أو اقتراحات لهم".
وكانت محطة "إن.بي.سي نيوز" قد ذكرت وفي وقت سابق الخميس، أن الولايات المتحدة وتركيا، توصلتا لاتفاق يطلق بموجبه سراح برانسون، وتسقط اتهامات بعينها موجهة له خلال الجلسة المقبلة من محاكمته المقرر عقدها الجمعة.
ونقلت المحطة عن مسؤولين، وشخص ثالث على اطلاع بالأمر، توقعهم بأن يعود برانسون إلى منزله في ولاية نورث كارولينا، خلال الأيام المقبلة، بعد إفراج الحكومة التركية عنه.
وأوضحت المصادر، أن الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الجاري، يقضي بإسقاط القضاء التركي في جلسة الجمعة، عددا من التهم الموجهة لرجل الدين الأميركي.
وبالفعل، فقد شهدت المحكمة تغيير 4 شهود أقولهم، وتراجعوا عن إفاداتهم السابقة ضده دفعة واحدة، وقالوا إنه إما أسيء فهمهم، أو إن ما ذكروه سمعوه من وسائل إعلام.
وكان الادعاء التركي قد وجه إلى برانسون تهما تتعلق بالتخريب والتجسس ومساعدة منظمات إرهابية، وهي تهم كان من الممكن يقضي بسببها القس الأميركي 35 عاما في السجن، إلا أن الحكم النهائي كان بالسجن 3 سنوات وشهر و15 يوما، مع رفع الإقامة الجبرية ومنع السفر.
ويعني الحكم إطلاق سراح القس، وذلك لأنه وفقا للقانون التركي، يطلق سراح من يحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بعد قضائه عامين في السجن، وهو ما حدث مع برانسون.
"حفظ ماء الوجه"
وبدافع الغضب لاحتجاز برانسون، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرارا في أغسطس بزيادة الرسوم المفروضة على الألومنيوم والصلب المستورد من تركيا إلى مثليها.
وردت أنقرة بزيادة الرسوم على واردات السيارات والكحول والتبغ الأميركية، الأمر الذي وتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة، في ظل فقدان العملة التركية 40 بالمئة من قيمتها هذا العام.
لكن أردوغان على ما يبدو لا يمكنه الذهاب أكثر من ذلك في هذه المواجهة مع الولايات المتحدة، ويريد إنقاذ اقتصاد بلاده المتدهور، فآثر إطلاق سراح القس على وجه السرعة للخروج بما يحفظ ماء الوجه، من خلال محاكمة شكلية وصفها مراقبون بالمسرحية.
*سكاي نيوز عربية