بتعيين رئيس حكومة جديد.. تمخض هادي فولد إخوانيا
رأي المشهد العربي
"تمخض الجمل فولد فأرا".. مثل عربي شهير يعني أنالشيء الذي حصلنا عليه غير كافي ولا يساوي مقدار الوقت الذي ضاع فى انتظار الحصول عليه، هكذا فعل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعدما ارتفع زئيره ملبيا نداء الشعب المنكوب وعين رئيس حكومة جديد ليس لديه مايؤهله إلا علاقاته بنجل الرئيس وقيادات حزب الإصلاح التابع لإخوان اليمن.
وفيما يبدو أن الرئيس اليمني ذو الـ73 عاما، باتت تحتاج قراراته لمراجعة بعض العقلاء، فلم ينفك أن يطل علينا ببضعة قرارات وخطابات غير مدروسة تماما، أو ربما كانت من وجهة نظر الرجل السبعيني خطط مدروسة ومحكمة، تناسب الحالة الصحية التي يمر بها حالياً.
إلا أن قراراه الأخير بتعين الدكتور معين عبدالملك سعيد، رئيسا للحكومة اليمنية كان مؤشراً واضحاً على مكره السياسي، ورغبته في أن يكن هو وحده سيد القرار، ضارباً برغبة شعبه ومصالحهم عرض الحائط، فالشعب الذي انتفض عشرات المرات ضد نظام الإخوان وطالب بإبعادهم عن السلطة، فوجئ أمس الاثنين، بقرار هادي الصادم.
فمعين عبدالملك سعيد، أكاديمي معماري ذو الـ37 عام، لم يشهد سجله السياسي ما يهيئه ليصبح جدير بمنصب كهذا في دولة تحدها النيران من كافة جوانبها، دولة تفشى الفساد فيها حتى وصل الأعناق، دولة تشهد أكبر أزمة اقتصادية في تاريخها، دولة تحارب مليشيات متعطشةللدماء والخراب، دولة بها 22 مليون فقير و8 مليون على حافة المجاعات، و2.2 مليون طفل يعانون سوء تغذية حادا.
دولة كهذه كل ما تطلبه رجلا سياسيا محنكا، وليس معماريا، فكونه شارك في وضع مطالب شباب ثورة اليمن، أو تأليف خطة 2030، فذلك بالتأكيد لن يؤهله ليكن رجل الدولة الأول، المسؤول عن حل كل أزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والخارجية والعسكرية وغيرها.
فسجل معين الغير حافل بالخبرات لم يكن هو السبب الرئيسي في تعيينه رئيسا للحكومة، وأيضا لم يكن سببا في أن يبعد أنظار الرئيس اليمني عنه عند اختياره كبديل لابن دغر في رئاسة الوزراء.
إلا أن المراقب لسياسات هادي، سيجدها جميعا خارقة لكل التوقعات ولا علاقة لها بالمنطق، فحين اختار الدكتور أحمد عبيد بن دغر، رئيسا لحكومته في عام2016، صدم الشارع اليمني ككل والذي تسائل حول مؤهلات دكتور التاريخ لكي يصل لتلك المكانة، فسجل بن دغر أيضا لم يحفل سوى بأنه كان عضوا لمجلس النواب، ثم قياديا في حزب المؤتمر الشعبي ومنها وزيرا للاتصالات في عام 2011، ربما كانت تلك مناصب مشرفة حقا إلا أنها ليست كافيه ليصبح صاحبها رئيس لحكومة دولة على صفيح ساخن كاليمن.
ونتج عن ذلك تفاقم الأزمات الاقتصادية، وتخطي انهيار الريال اليمني حاجز الـ800، وانهيار الوحدة الشعبية، وتفتت كل كتل الشعب، وزيادة انتهاكات الحوثي، التي كادت أن تأكل الأخضر واليابس لولا مساندة المملكة العربية السعودية والإمارات ممثلة لقوى التحالف العربيوالمساعدات الإنسانية المختلفة.
فإما أن هادي لم يتعلم الدرس بعد، أو أنه له مطالب أخرى، تخفى عن أذهننا.
ومعين عبدالملك، بن السفير اليمني السابق بقطر عبدالملك سعيد، وصديق مقرب من علي محسن الأحمر، نائب الرئيس عبدربه منصور هادي، والمؤسس لحزب التجمع اليمني للإصلاح "الذراع السياسية لجماعة الإخوان باليمن"، تربطه علاقات وطيدة بقطر "الممول الأول للإخوان"، كما أنه صديق مقرب لجلال منصور هادي، نجل الرئيس هادي، وصديق للشخصية الإخوانية المثيرة للجدل توكل كرمان.
قد يكون هذا هو السجل الحقيقي لرئيس حكومة هادي الجديد، فهو أفضل شخصية سيجبره حزب الإصلاح على وضعها على رأس الحكومة، لتضمن بذلك توغلها أكثر داخل المؤسسات الحكومية المعترف بها، ومنها إلى السلطة ككل، كما خطط الحزب منذ إنشائه.
فما يفعله الإخوان حاليا لا يختلف هى سمة تميزهم عن غيرهم في الانتهازية لاستغلال أي رئيس دولة لتتشعب في كل مؤسسات الدولة، وتسيطر على كل مناصبها الرسمية وغير الرسمية.
ولم يلقى حزب الإصلاح صدى عند الشعب اليمني، نظرا لانتهاكاته المتعددة بحقه، إذا لماذا يصر هادي على مداواة جروح الشعب المكلوم بهم، شيئا غامض يظلل على تلك الاختيارات، لم ولن يعلن للملأ، إلا أن هناك 3 سيناريوهات حتمية فرضها المراقبون السياسيون للشارع اليمني:
فرأى البعض أن تلك أوامر من علي محسن الأحمر، الإخواني الماكر، الذي أراد أن يستغل نفور اليمنيين من بن دغر وفشله فقرر أن يمنحهم كبسولة مهدئة بداخلها سم لعين، فجاء برجله الأول ليقلده أرفع منصب سياسي بالدولة.
ورأى آخرون أنه ولسوء التصرف الملحوظ على الرئيس اليمني سواء في قراراته أو خطاباته، في الأونة الأخيرة، فربما جاء قرارا أهوج من رئيس أراد أن تظل كل خيوط الدولة بيديه، حيث يعد كل المناصب الرفيعة في الدولة مجرد كراسي لا يجب أن تترك فارغة، فيملأها بكل من ليس أهلا لها، حتى لا يتمكن من التقرب للشعب اليمني ونيل إعجابهم فيصبح مرشحهم الأول للجلوس بدلا منه، ويبقى وحده هو الملجأ الأخير للشعب حين ينتفض ضد مسؤول ما مطالبا هادي بإقالته.
إلا أن تقارب رئيس الحكومة الجديد من شباب المقاومة بتعز، ربما كان هذا سببا قويا لتقلده هذا المنصب، فقد يمكنه قربه منهم، في التودد إليهم وإقناعهم من أجل سيطرة حزب الإصلاح بشكل كامل حتى يتثنى له تسليمها لقطر أو إيران أو تنضم الحليفتين المتمثلتين في الحوثي والإخوان، ويكونا كيانا واحدا.
ففي النهاية، كانت نتيجة ثورة الجياع التي شهدتها محافظات اليمن في الأيام الأخيرة ومطالب بإقالة بن دغر، هى السم في العسل كما يقال، حيث لبى هادي مطالب الشعب ولكنه أتى لهم برئيس حكومة إخواني، أو كما يقول المثل الشعبي الشهير.. "تمخض هادي فولد إخوانيا".