فيلم عن «الرغبة الجنسية» في الفضاء «تفاصيل»
قررت مخرجة فرنسية، في تناول فيلم غامض يتطرق إلى سلوك البشر في الفضاء والذي يتبلور حول الرغبة الجنسية للأشخاص.
اختارت المخرجة الفرنسية كلير دنيس الممثل روبرت باتينسون، بطل سلسلة أفلام توايلايت، لبطولة أحدث أفلامها "هاي لايف"، وهو فيلم غامض في إطار الخيال العلمي يتناول الجنس في الفضاء - وجاء أداء باتينسون رائعا دون إبهار.
باستعانة المخرجة كلير دنيس بروبرت باتينسون لبطولة فيلم خيال علمي عن الجنس في الفضاء لابد وأنها أرادت أن تضمن إقبالا جماهيريا على فيلمها الجديد "هاي لايف" (أو الحياة العليا)، ولكن الحقيقة أن المخرجة الذكية لم تقصد ذلك، بل قبل سلسلة أفلام "توايلايت" (وبالأخص بعدها)، سعى باتينسون نفسه لاختيار أدوار فنية يؤكد فيها ملكاته كممثل جاد، ويبدو أن سعيه نجح.
أولا وجد المخرج ديفيد كروننبرغ ضالته في باتينسون لتمثيل دور البطل المارق في فيلم "كوزموبوليس" وكذلك دوره في فيلم "خارطة النجوم" ولم يحصل على القدر الكافي من التقدير، وبعدها أدى باتينسون دور صعلوك مجرم يرعى أخاه المعاق في فيلم "وقت طيب" إخراج جوش وبيني سافدي، ما عد أعمق أدواره حتى الآن - ثم وجدته المخرجة الفرنسية الأقدر لبطولة فيلمها مستغلة حضوره الهادئ.
وفيلم "هاي لايف" هو أول أفلام المخرجة الفرنسية الجريئة باللغة الإنجليزية ويدور داخل سفينة فضاء تعج بمساجين في مهمة انتحارية لاستكشاف ثقب أسود.
ورغم اختيارها لنجوم كبار لأداء الأدوار، والحبكة المركزة، لم تتخل ديني عن نظرتها الانتقادية للبشر ولا أسلوبها المقتضب، كما في أفلامها الأولى مثل "عمل جيد" أو الحديثة مثل فيلم "الأوغاد".
وفيلم "هاي لايف" فيلم غامض غريب يعمد لاستفزاز المشاهد. ورغم غموضه يطل باتينسون بدور إنساني واضح ورائع دون إبهار.
فشخصية "مونتي" التي يؤديها، والطفلة "ويلو"، وهي ابنته على الأرجح، هما آخر من بقي على قيد الحياة في سفينة الفضاء، بعد أن أودع البطل في وقت سابق جثث رفاقه في الفضاء للأبد.
ويؤدي باتينسون دور شخصية مستسلمة وقوية في نفس الوقت، إذ يمضي قدما بإصرار رغم انقطاع اتصاله بالأرض، بل ويحاول تعليم الطفلة الصواب من الخطأ، وكلمة "حرام" بين أول ما تنطق به الطفلة، وهو أمر لا يخلو من سخرية في سياق الفيلم.
وسفينة الفضاء خاوية غالبا إلا من اللونين البني الباهت والرمادي والظلال الزرقاء، وفي هذا السياق البارد الكئيب تبرز مشاهد رقيقة حانية تجمع باتينسون بـ"ويلو"، تمثلها ابنة أحد أصدقاء باتينسون المقربين، وقد وفقت المخرجة في اختيار طفلة قريبة من الممثل في الواقع، وهو ما انعكس في مشاهدهما معا على الشاشة.
يعود الفيلم إلى الوراء مرارا لاسترجاع تفاصيل الرحلة دون أن تتقدم الأحداث بشكل متسلسل. وتخلق المخرجة رواية متقطعة تعكس اضطراب شخصياتها وتعزز ذلك الموسيقى الإلكترونية المصاحبة من تأليف ستيورات ستيبلز.
وكان جميع السجناء على متن السفينة محكوم عليهم بالموت أو السجن المؤبد، وقد اختاروا الفضاء بديلا دون أن يعلموا أنهم يُستخدمون كفئران تجارب من قبل طبيبة مسيطرة تدعى ديبز (جولييت بينوش).
وتحرم قوانين السفينة ممارسة الجنس تماما، ولا تحرم الاستمناء، بل تشجع الذكور على توفير عينات من منيهم لتجري عليها ديبز تجاربها. وتلقب ديبز مونتي بالراهب لرفضه وثقته بأن العفة ستجعل منه إنسانا أقوى.
وبدلا من التركيز على الجنس في الفضاء، يركز الفيلم على امتناع مونتي عن الجنس وتستخدم المخرجة ذلك للغوص في أعماق الرغبة المكتومة والشعور بالوحدة وسط الجمع.
وتدخل بينوش غرفة مخصصة لممارسة الجنس فرديا، تمتطي آلة تشبه الثور الدوار بينما الكاميرا تجول عن قرب فوق جسدها. وتقول المخرجة إن تلك الآلة سميت أولا "آلة الحب" قبل أن يعدل ذلك في الشكل النهائي للفيلم باعتبار الاسم "فرنسي أكثر من اللازم". والمشهد الذي تؤديه بينوش ليس مشهد إشباع جسدي، بل إحباط عاطفي.
وأغلب جرائم الطاقم غير مشروحة بالكامل. وباستثناء مونتي، فالشخصية الوحيدة التي يمكن التعاطف معها يلعبها أندريه بنجامين، الذي يبرز في مشهد قصير مؤثر شارحا أنه اختار الموت في الفضاء كي يكون فخرا لابنه بما سيقدمه للبشرية من إسهام في تقدم المعرفة العلمية حول الفضاء.
وتلعب ميا غوث دور "بويس"، أم الطفلة، وهي قاسية وغير نادمة على ما اقترفته من أفعال. والطريقة التي تحصل بها ديبز على مني مونت وتستخدمه (على الأرجح) لتجعل بويس تحبل به تتفق ورؤية المخرجة الصادمة عن الجنس في فيلم "الأوغاد". أما الجريمة التي اقترفتها ديبز على الأرض فجريمة مروعة.
وأخيرا يتهرأ قميص مونتي وتبيض بقعة من شعره، بينما تبلغ "ويلو" وتنتهي المخرجة بالفيلم نهاية ملتبسة عن قصد. لا يتفوه باتينسون خلال الفيلم إلا بكلمات قليلة ويبدو كاظما نفسه ليعكس رغبات الشخصية غير المحققة وندمها دون كلام.
ومن غرائب الفيلم أن الفضاء لا يضيف إليه شيء، فبخلاف القتامة المخيفة خارج نافذة مونتي، لا يعتمد الفيلم على الإكثار من الخدع كفيلم غرافيتي (الجاذبية)، ولا يحمل رؤية مستقبلية رهيبة كفيلم "2001 رحلة الفضاء".
وأحيانا يُذكِّر الفيلم بأفلام أخرى لم يبق سوى بطلها على قيد الحياة مثل "رائد المريخ"، خاصة في مشاهد الاستزراع في الفضاء.
ولكن دنيس لا تلقي التفاتا للفضاء نفسه، بل تساعدها العزلة في الفضاء في التركيز على سلوك البشر ومعاني الحب والذنب والرغبة التي عززت مشوارها الفني، وجاء بطل فيلمها الأخير ليضيف إليه لمسات آسرة.