همس اليراع.. الدكتور عبد الوهاب محمود

د. عيدروس النقيب

هل هناك من لا يزال يتذكر هذا الإسم وصاحبه، أم أنهما قد تواريا عن الذاكرة الجمعية بعد كل العواصف السياسية البليدة التي اجتاحت هذه البلاد وأودت بمعظم ما في اليمن من الجمال والجماليات القليلة وأبرزت منجزات القبح على أشد صوره وبعثت فيها عناصر الحياة والازدهار؟

الدكتور عبد الوهاب محمود شخصية وطنية واجتماعية معروفة، تجمع بين الثقافة الأكاديمية والخبرة العملية والانتماء الوطني والنشاط السياسي المقترن بمصالح الوطن وقضايا المواطنين.

منذ فترة التعليم الثانوي والجامعي انخرط الدكتور عبد الوهاب في النشاط الوطني، وانتمى إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وبعد التخرج تدرج في العديد من المهمات والوظائف حيث تقلد العديد من الإدارات والوزارات وكان ناجحا حيثما تواجد.

آخر المهمات التي تولاها كانت مهمة نائب رئيس مجلس النواب ( 2003ـ 2008م) وطوال فترة توليه هذه المهمة كان الدكتور عبد الوهاب نموذجا للقائد المتميز في إدارة الجلسات ورئاسة الوفود البرلمانية في الداخل والخارج، وكانت الجلسات التي يديرها د. عبد الوهاب من أكثر الجلسات جدية وفاعلية واستقلالية و(ديمقراطية) في اتخاذ القرارات وتبادل النقاشات وتوازن المواقف.

هناك الكثير من الكلام الإيجابي الذي يمكن تدوينه هنا عن الدكتور عبد الوهاب، لكن هذا ليس مقامها.

ما دفعني للكتابه حول هذه الشخصية السياسية في هذه الخاطرة أمرٌ آخر، فمنذ سنوات وأنا أبحث عن طريقة للتواصل معه، لكنني لم أجد من يصلني به بعد أن تفرقت السبل بالطيبين في هذا البلد، وقد علمت أن حالته الصحية قد تدهورت، وكنت أسأل عنه كل من أقابله، وأخيرا تكرم أحد الزملاء بإعطائي رقم هاتفه في المملكة الأردنية الشقيقة.

منذ أسابيع وأنا أحاول الاتصال به لكنني أخفقت، إلا بعد أن عثرت على رقم ابنه المهندس رامي الذي يرافقه في حله وترحاله..

قال لي رامي أن أباه يعاني من تصلب عضلي يعيق الكثير من حركته وهذا يؤثر حتى على قدرته على الكلام، كما علمت أن الدكتور عبد الوهاب يتلقى علاجه في مدينة ميونخ الألمانية على أيدي أخصائيين نادرين نظرا لندرة الحالة التي يعاني منها والتي لا يزال الأطباء يبحثون في أسبابها وتفاصيلها ووسائل علاجها، بينما يعاود زيارتهم كل ستة أشهر

التجاهل الذي يتعرض له الدكتور عبد الوهاب محمود يمثل جزءً من سلوك الطبقة السياسية اليمنية التي لم يعد الكثير من قادتها يكترثون للاعتبارات الإخلاقية والإنسانية إلا بقدر ما تتناغم وأجنداتهم الحزبية، وتوجهاتهم السياسية، ومع يقيني أن السؤال عن د. عبد الوهاب والتواصل معه والاهتمام بوضعه قد لا يؤثر كثيرا على حالته فهو يتكفل بتكاليف علاجه لنفسه، وقد علمت أن احدا من الحكومتين (الشرعية أو الانقلابية) لم يفكر بمواساة الرجل في محنته والاطمئنان على حالته وهو ما يجعلني أعتقد أن هناك تجاهلا غريبا متعمدا لشخصية الدكتور عبد الوهاب، على الأقل من قبل من كانوا يوما قريبين منه فكريا ووظيفيا وحزبيا وسياسيا وأخلاقيا.

لا أملك ما أقدمه لأستاذنا وزميلنا الدكتور عبد الوهاب محمود عبد الحميد إلا الدعاء أن يشفيه الله من معاناته، وأن يعيده إلى وضعه الطبيعي ليستأنف حضوره الوطني والسياسي والمجتمعي في زمن ما أحوج البلد لعقليات مثل عقلية الدكتور عبد الوهاب، ومسالك مثل مسالكه ومنهاجيات مثل منهاجيته وتواضع كتواضعه.



مقالات الكاتب