30 نوفمبر عيد الاستقلال الناقص

عادل المدوري

في يوم الـ30 نوفمبر عام 1967م رفع الأجداد المناضلون راية جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وهم يرددون (برع يا استعمار برع.. من أرض الأحرار برع)، لحظات مفصلية وهامة غيرت مجرى التاريخ الجنوبي في مسيرته النضالية حيث بزغ فجر الاستقلال في عدن، وأشرقت من خلاله شمس الحرية على مناطق الجنوب إيذانا ببدء مرحلة جديدة من الانعتاق وإنهاء التبعية للآخرين والتخلص من العبودية.

فالاستقلال هو غاية مقدسة تسعى لها كل شعوب العالم، وهذه الغاية تبرر كل الوسائل للحصول عليها، فالوطن غير المستقل يظل تابعا في قراراته وسياساته، ومسلوب الحرية، وعند حصول الشعب على الاستقلال يعني ذلك التحرر من الاحتلال ووضع حد لهيمنة الآخرين ونهاية عهد العبودية، وتسليم قيادة البلاد لأبناء الوطن، وينعم المواطن بثروات وطنه بدلا من استغلالها ونهبها من قبل المحتلين.

فيحق لاي شعب تعرض للاحتلال من قبل شعوب أخرى أن يحتفل في يوم تحريره، ويحق له أيضاً أن يجعل من ذلك اليوم عيدا وطنياً مجيدا ورمزا للحرية والسيادة الوطنية، ومن هذا المنطلق اعتادت الأمم في مختلف أرجاء المعمورة على إقامة الفعاليات في يوم استقلالهم الوطني، ويخصص هذا اليوم لإقامة الفعاليات والاحتفالات على المستوى الرسمي ويمنح الشعب إجازة رسمية وتهيئة أجواء وطنية كي يتسنى للمواطن أن يستحضر هذه المناسبة الخالدة ويتذكروا تضحيات أجدادهم وتاريخ أمجادهم العريق، كما يتم استعراض نتائج تلك التضحيات عبر استعراض المنجزات التي تحققت في مختلف المجالات.

لكن فرحة استقلال الجنوب من التواجد البريطاني لم تدم طويلا، فسرعان ما دخل الشعب في متاهة حرب التيارات وصراع الأفكار والانتماءات من العام (1970-1990م)، عشرين عاما لم نذق طعم الاستقلال الحقيقي، ولم نتمكن من الاستفادة من ثرواتنا وخيرات أرضنا.. وما لبثنا أن رأينا دولة قائمة على حدود جغرافية حتى تغير اتجاه البوصلة وبدت عليهم حمى الوحدة المسعورة، فهرول القادة الجنوبيون إلى أحضان العربية اليمنية، فكانت سقطة مدوية وموجعة، عدنا من خلالها إلى محتل أكثر تخلفا وأكثر إرهاباً، وأصبحنا بين ليلة وضحاها محتلين وأفرغ عيد الاسقلال الـ 30 من نوفمبر من مضمونه.

ومنذ ذلك الحين إلى يومنا تستمر سيناريوهات هدم جدار الهوية الجنوبية، ويستمرون أيضا باستباحة السيادة الوطنية، والمصيبة أن من يحتلك لا يعترف أنه محتل بل يدعي ملكيتك، فتغير مفهوم الاستقلال لدى الجنوبيين من استقلال في الأمور السياسية والاقتصادية وإدارة الدولة بكافة جوانبها وإقامة العلاقات الخارجية، فأصبح مفهوم التبعية وإعادة الفرع إلى الأصل هو المشهد السائد، والمواطن في بلاده لا يجد قطعة أرض يسكن فيها، بينما حيتان الفساد القادمة من الشمال تمتلك كيلو مترات مسورة يمنع الاقتراب حولها أو حتى التصوير.

عذراً يا ثوار أكتوبر، فعن أي جلاء وعن أي استقلال تتحدثون؟! فبعد 51 عاما من استقلال الجنوب مازلنا نشكو من ضياع دولتنا، ومازلنا غير مستقلين في قرارنا ولا في تقرير مصيرنا، وهذا دليل على أن هناك نقصا قد يرتقي إلى درجة الانعدام في السيادة الوطنية التي ضحى أجدادنا بالغالي والنفيس من أجلها.


مقالات الكاتب