رغم تعقّد نقاط الخلاف.. غريفيث يحاول التقريب بين الفرقاء اليمنيين
لم يحمل اليوم الأول من المشاورات التي جرت في العاصمة السويدية مؤشرات قوية لنجاح المبعوث الأممي مارتن غريفيث، في مساعيه لإقناع الفرقاء اليمنيين لتقديم التنازلات الكافية لتحقيق بعض النقاط الشائكة التي تتعلق بالوضع اليمني القائم ، كوقف إطلاق النار في الحديدة والاتفاق على شكل إدارة مينائها،إعادة الحياة إلى مطار صنعاء
وقال مصدر بالأمم المتحدة إن الطرفين لا يزالان بعيدين عن الاتفاق على المسائل الثلاث، خاصة الطرف الذي سيتولى إدارة ميناء الحديدة وما إذا كان على الحوثيين مغادرة المدينة بالكامل، وأضاف المصدر “الحديدة معقدة جدا”.
وتحاول الأمم المتحدة تحاشي شن هجوم شامل على الحديدة منفذ دخول معظم البضائع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى اليمن، وقد عزز الجانبان مواقعهما بالمدينة المطلة على البحر الأحمر في معارك متفرقة بعد تهدئة الشهر الماضي.
والسبيل الرئيسي الآخر لدخول الحديدة والخروج منها هو مطار صنعاء لكن استخدامه مقيد بسبب سيطرة التحالف الذي تقوده السعودية على المجال الجوي.
وقال غريفيث عند افتتاح المحادثات "في الأيام المقبلة، ستكون أمامنا فرصة شديدة الأهمية لإعطاء زخم لعملية السلام"، مضيفا "هناك طريقة لحل النزاع"، والمجتمع الدولي "موحّد" في دعمه لإيجاد تسوية للصراع اليمني، إذا وجدت الأرادة.
وقالت مصادر دبلوماسية لصحيفة "العرب" من مقر المشاورات بستوكهولم إن خلافا طرأ قبيل افتتاح المشاورات كاد يتسبب في تأخير موعد الافتتاح، نتيجة اعتراض وفد الحكومة اليمنية على مخالفة الحوثيين للاتفاق التنظيمي الخاص بالمشاورات الذي تم إبرامه مع غريفيث والذي ينص على أن يضم كل وفد 12 مشاركا في الوفد الرسمي و5 مشاركين فنيين.
وأشارت المصادر إلى أن الوفد الحكومي فوجئ بمرافقة وفد إعلامي وفني كبير للحوثيين تجاوز الأربعين وهو ما دفعه إلى الاحتجاج لدى المبعوث الأممي وطلب مغادرة العدد الإضافي لمقر انعقاد المشاورات قبل البدء بالجلسة الافتتاحية وهو الأمر الذي استجاب له غريفيث لاحقا.
أكدت المصادرأنه تم البدء بمناقشة خطوات بناء الثقة وخصوصا ما يتعلق بتبادل الأسرى والمعتقلين كمدخل للقضايا الأخرى الشائكة، وهي النقطة التي استطاع المبعوث الأممي حشد موافقة الطرفين على ترتيباتها والتوقيع على اتفاق أولي بخصوصها.
واستبق خالد اليماني وزير الخارجية في الحكومة اليمنية، ورئيس وفدها إلى مشاورات جنيف، أي ضغوط دولية، بالكشف عن رؤية الحكومة لأبرز القضايا التي سيتضمنها محور بناء الثقة.
وشدد خالد اليماني على ضرورة انسحاب المتمردين من مدينة الحديدة ومينائها الرئيسي. وأضاف "يجب على الميليشيات الحوثية الانسحاب بسرعة من مدينة الحديدة ومينائها وتسليمها إلى الحكومة الشرعية وبالذات إلى القوات التابعة للأمن الداخلي".
وفي ما يتعلق بإلزام الحكومة اليمنية بصرف رواتب موظفي الدولة في كافة المحافظات التي لا تزال تحت سيطرة الحوثيين، ربط اليماني موافقة الحكومة على ذلك بتحويل إيرادات الميناء والعديد من المؤسسات الأخرى إلى البنك المركزي اليمني في عدن.
وتحدث غريفيث عن وجود توافق شامل على حل الأزمة وأن الأمر يتطلب مزيدا من الإرادة، مشيرا إلى أن جدول الأعمال سيناقش الإفراج عن الأسرى وفتح مطار صنعاء، إضافة إلى الحالة الاقتصادية، وملف الحديدة، ومؤكدا أن لدى الأمم المتحدة مقترحات حول مطار صنعاء وميناء الحديدة، وأنها مستعدة للعب دور في ما يخص الميناء إذا وافقت الأطراف على ذلك.
وخفض غريفيث من سقف توقعاته، قائلا إنه لا يريد المبالغة في التفاؤل ولكنه يبحث عن رفع مستوى الطموحات.
وبحسب المبعوث الأممي، تشارك في كواليس المشاورات مجموعتان لإسنادها؛ مجموعة استشارية نسائية ومجموعة أخرى من الخبراء اليمنيين.
وترك غريفيث الباب مواربا أمام المدة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها المشاورات، التي من المفترض أن تنتهي في السابع عشر من ديسمبر، قائلا “يمكننا أن نغادر السويد مع إنجاز ملموس يلبي تطلعات شعب اليمن”.
كما وجه رسالة طمأنة للوفد الحكومي من خلال التأكيد على أن قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالشأن اليمني فاعلة وأن القرار الأممي 2216 لا يزال صالحا.
وقلل مراقبون من سقف توقعاتهم من مشاورات السويد، مؤكدين أن التداعيات على الأرض لا تعطي انطباعا بأن أيا من الطرفين مستعدّ لتقديم تنازل قد يفضي إلى انتهاء المواجهات العسكرية التي تتسع رقعتها.
وقالت مصادر محلية في مدينة الحديدة ،إن الحوثيين شرعوا في حفر خنادق وأنفاق تربط منازل المدينة بعضها ببعض، وخصوصا في الأحياء السكنية المتاخمة لمناطق الاشتباكات، في مؤشر على اعتزامهم خوض معركة شوارع طويلة الأمد في المدينة.
وقال عزت مصطفى، رئيس مركز فنار لبحوث السياسات، إن الأمور أصبحت أكثر صعوبة مع انتقال المشاورات من مرحلة العبارات الدبلوماسية إلى مرحلة الاستحقاقات ومناقشة القضايا الجوهرية، مشيرا إلى أن المبعوث الأممي يشعر بتحقيق انتصار لجمعه وفدي الطرفين في مكان واحد وهو مؤشر في حد ذاته على مستوى تعقيد هذه المشاورات خاصة إن كان غريفيث يطمح إلى الانتقال من المشاورات إلى المفاوضات حول الترتيبات السياسية والأمنية كما سبق وقال في إحاطة سابقة له في مجلس الأمن الدولي.