نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تقريراً سلط الضوء على العلاقة بين الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، الذي كان يكتب عمودًا فيها، وبين ماغي سالم، المسؤولة بمؤسسة قطر الدولية.
وقالت الصحيفة: «لعل من أكثر الأمور التي كانت مشكلة بالنسبة لخاشقجي هو صلته بمنظمة تمولها قطر، خصم السعودية في المنطقة. وأظهرت رسائل نصية بين خاشقجي وماغي، أن الأخيرة شكّلت الأعمدة التي قدمها لصحيفة واشنطن بوست واقترحت موضوعات بالإضافة إلى حثه على أخذ موقف أكثر صرامة ضد الحكومة السعودية، وخاشقجي على ما بدا اعتمد على باحث ومترجم متعاون مع المنظمة القطرية».
وتناول تقرير أعده كل من الصحافية الألمانية سعاد ميخينيت والكاتب المتخصص في قضايا الأمن والإرهاب غريغ ميلر بعض الرسائل النصية المسربة بن خاشقجي وماغي سالم. وقال: «في أوائل أغسطس الماضي حرضت سالم، خاشقجي على الكتابة عن التحالفات السعودية من واشنطن إلى القدس إلى الأحزاب اليمينية المتصاعدة عبر أوروبا، لإنهاء النظام العالمي الليبرالي. وأضاف: «عبر خاشقجي عن هواجسه حيال مثل هذه النغمة الصارمة، ثم سأل، «هل لديك وقت لكتابته؟»، فردت عليه «سأحاول»، وحثته على استخدام «مسودة» أرسلتها له عن طريق الرسائل النصية القصيرة. وبعد ذلك بأيام ظهر بالفعل مقال لخاشقجي في واشنطن بوست يعكس مناقشاتهم بما فيها بعض اقتراحات سالم».
كما أشارت رسائل أخرى وفق التقرير إلى أن منظمة سالم دفعت لباحث أدى عملا لخاشقجي، والأخير اعتمد على مترجم عمل في بعض المرات للسفارة القطرية والمؤسسة. ونقل التقرير على لسان محررة في الصحيفة «أن كتابات خاشقجي لم تظهر محاولات لتفضيل موقف قطر، حيث قالت إنه لا يهاجم الحملة السعودية على قطر كما يمكن أن تريده قطر»
ووفقا للرسائل، فإن خاشقجي وسالم كانا يفهمان كيف يمكن النظر إلى علاقته بكيان ممول من قطر، وذكّرا بعضهما بعضًا بالحفاظ على العلاقة سرية. لكن في مؤشر على تأثير الموظفة القطرية، أظهرت الرسائل أن سالم عندما راجعت مسودة مقال السابع من أغسطس، اتهمت خاشقجي بسحب «اللكمات» (أي التوجهات الأكثر عدائية للسعودية)، قائلة: «ابتعدت عن الموضوع وتبدو وكأنك تبرر للرياض.. إنها مشكلة بالغة الصعوبة». واستجاب خاشقجي لطلبات التعديل.
وأثار تقرير «واشنطن بوست» موجة تساؤلات، خصوصاً بعد توضيح اعتبر غير مقنع لماغي سالم التي قالت: «عندما وصل إلى الولايات المتحدة، كان يعيش صراعاً، بعيداً من عائلته ومنزله، طوعاً بالتأكيد. أراد أن يفعل ما عجز عن أن يقوم به هناك وهو التعبير عن آرائه. فكاتب بحجمه لديه أفكاره الخاصة. كانت أفكاره متدفقة باللغة العربية، كان يحتاج إلى مساعدة بالإنجليزية». وأضافت في رد على تغريدة لمراسلة «وول ستريت جورنال» مارغريتا ستانكاتي إنها وجمال خاشقجي كانا صديقين منذ 2002، وقد التقيا عندما كانت في معهد الشرق الأوسط ثم مستشارة في مؤسسة الأفكار العربية وغيرها، وإنه كان يكره كونه غير قادر على التعبير بالإنجليزية بالطريقة التي يعبر فيها بالعربية».
ولم تقنع تبريرات ماغي سالم المغردين الذي رد عليها أحدهم قائلاً «إن الأمر أبعد من ذلك. كان يمكنك وضع اسمك إلى جانبه على مقالاته، ولكنك لم تفعلي ذلك لأننا جميعاً نعرف ارتباطاتك بمؤسسة قطر الدولية، الأمر الذي سيضعف موقفه، الذي هو موقفك». وقال مغرّد آخر «إن خاشقجي كان رئيس تحرير صحيفة سعودية ناطقة بالإنجليزية، وكان لديه مقال يومي بالإنجليزية».
وانتقد آخرون ماغي سالم كونها راجعت مقالات خاشقجي أو كتبتها أو ضمنتها آرءاها الخاصة لتصب في مصلحة تعليمات قطر، محررة الشيكات. واستغرب آخر عدم استعانة خاشقجي بأي شخص لمساعدته في الإنجليزية غير ماغي سالم، المديرة التنفيذية للمؤسسة القطرية. وعلق الباحث غانم نسيبة على مقال «واشنطن بوست» بأنه لم يستغرق الصحيفة وقتاً طويلاً لـ«رمي خاشقجي أمام الباص».
وتعد «مؤسسة قطر الدولية»، أحد أطراف «مؤسسة قطر» المشبوهة التي ورد ذكرها وأدوارها في اكثر من ملف وقضية في العقد الماضي على الأقل. تأسست في 2009، بزعم العمل على تعليم ونشر اللغة العربية في أنحاء العالم والتعاون مع شركات ومؤسسات ومنظمات غير ربحية أخرى، ومنظمات غير حكومية، وكليات وجامعات، ومنظمات ذات التوجه المماثل. وللمؤسسة شبكة متعددة الجنسيات ويمكن الوصول إليها عبر فروع عدة في الولايات المتحدة، وكندا، وألمانيا، وبريطانيا، والبرازيل.
أما ماغي سالم، المقيمة في واشنطن، فهي شخصية محورية لأكثر من سبب بالنظر إلى سيرتها الذاتية التي تكشف خلفية سياسية بامتياز، قبل الخلفية الأكاديمية. بدأت مسيرتها مسؤولةً عن الخدمات الخارجية في وزارة الخارجية الأميركية، وعملت مساعدةً خاصة لمادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون بين 1997 و2001.
وغادرت بعدها واشنطن، إلى تل أبيب لتعمل مساعدة لشؤون الموظفين لدى السفير الأميركي مارتن إنديك، قبل قضاء عامين في القنصلية الأميركية في مومباي بالهند.
وتحولت بعدها إلى مديرة إقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية «IFES»، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في دعم العمليات الانتخابية، وتقديم المشورة والمساعدة لتطوير أو إصلاح قوانين الانتخابات، وتدريب العاملين في مجال الانتخابات وتحسين برامج فعالة لتوعية الناخبين، وتولت في إطار مهامها تلك الإشراف على مشاريع هذه المؤسسة في مصر، والعراق، وإيران، والأردن، ولبنان، وفلسطين، واليمن.
ويتبين حسب تقرير «واشنطن بوست» لماذا يصعب على أحد الجزم بأنه لا علاقة أو لا مصلحة لقطر في ما كان ينشر خاشقجي على أعمدة الصحيفة، من آراء ومقالات باسمه.