في وداع ابن قاسم علي..الشاعر والمناضل الوطني
د. علي صالح الخلاقي
"قال ابن قاسم علي".. هذه العبارة أصبحت أليفه إلى نفسي وعامل جذب إلى قراءة أشعار صاحبها، الشاعر سالم قاسم علي الحبشي العوذلي ، الذي يحب استهلال كثير من أشعاره القصيرة المعبرة بهذه العبارة، فنتعرف من خلالها على اسم الشاعر والاستمتاع بأبياته وأشعاره التي ينطبق عليها القول المأثور "ما قل ودل"..ولم يكن الشاعر في ذلك استثناء فقد سبقه شعراء بمثل هذه الاستهلالة اللصيقة بأسمائهم أو كنيتهم، مثل: "يحيى عمر قال" أو "سالم علي قال" أو "يقول بن ناصر مجمل"، أو "يقول قاسم محمد".. الخ.
وهكذا يسير ابن قاسم علي على نهج أسلافه، وهاهو -على سبيل المثال- يلخص سبب معاناة الناس وكثرة مشاكلهم، بكلمتين اثنتين (الحكومة وعسكرها)، فيفضح بذلك حكومة الفساد وأدواتها من العسكر الذين ينطبق عليهم القول "حاميها حراميها":
قال بن قاسم علي امشاعر
مشاكل الناس مَكْثَرها
واكبر مشاكل نعانيها
من الحكومة وعسكرها
وعلى ذات النسق من الكثافة الشعرية يعبر عن قدرة الشعب وصبره على تحمُّل ما يصفها بالسنين الغبراء والخطيرة، وكأنما يدعو الناس للخلاص منها ومن نتائجها المأساوية الخطيرة، ولعله يقصد تلك السنوات العجاف التي أعقبت الغدر بالوحدة واستباحة الجنوب واحتلالها من قبل نظام صنعاء في صيف 1994م:
قال بن قاسم علي امشاعر
سنيـن غبـــرا ومَخْـطَرها
ماهَنْ قد الناس سُبحانه
على المقادير مَصْبَرها
ولم يسلم من سياط شاعرنا أولئك الجبناء من دعاة البطولة زيفا، الذين ينفذون بجلودهم في أول مواجهة، فها هو يوظف المثل الشعبي القائل "حجرة الفَسل كبيرة" مع استبدال الحجر بالعصا ليستقيم له الوزن:
قال ابن قاسم على امشاعر
مَكْبَر عصا الفسل مَكْبَرها
ولا قد الناس تتناحر
والله ما عاد تبصرها
ومن تنبؤاته مع بدء سيطرة الحوثيين على صنعاء توقعه انتهاء تحالفهم "المصلحي" مع الرئيس عفاش ودخولهم في مواجهات واقتتال معه، وهو ما حدث فعلا وأدى إلى مقتل عفاش:
الا قال ابن قاسم علي
عاده بايقع ضرب روس
عاده بايقع في ذمار
ياخنجر محدد وفوس
وينبه الشاعر إلى الدروس والعبر التي نتجت عن الحرب الأخيرة لعل هناك من يتعظ منها:
الا قال ابن قاسم علي
في ذا الحرب كم هي دروس
ماحد من قفاها استفاد
ماهن ذي يظلي يحُوس
كما يحذر أولئك الفاسدين ممن فاحت رائحة أفعالهم العفنة بالمصير الذي ينتظرهم جرَّاء ما ألحقوه من تدمير وتخريب لأحاسيس الناس وسيأتي اليوم الذي يُنتزع منهم ما كل نهبوه:
الا قال ابن قاسم علي
ياذي تخربون الحسوس
ماخذتوه باتطرحوه
بالقوة وبالعيدبوس
لا يتسع المجال لاستعراض كل أشعار فقيدنا الراحل التي قالها على مدى عقود من عمره الممتد بين سنة ميلاده عام 1935م وحتى لقي ربه راضياً مرضياً يوم الثلاثاء، الموافق 27نوفمبر 2018م. فقد ولد الشاعر في قرية القاع – مكيراس، وينحدر من قبيلة آل حبش- العواذل. ونشأ في بيئة تحب الشعر وتحتفي بالشعراء، وقد دفعته موهبته الشعرية التي منحها الله له إلى نظم الشعر منذ وقت مبكر من حياته، وظل ينظم الشعر حتى رحل عن دنيانا وأبدع طوال مسيرته الشعرية الكثير من الأشعار والمساجلات العديدة التي تناظر فيها مع غيره من الشعراء الشعبيين.
ويعتبر المناضل والشاعر الفذ الشيخ سالم قاسم علي العوذلي مع الشاعر الراحل السيد قاسم محمد أهم وأبرز صوتين شعريين من مكيراس ممن انتشرت أشعارهما في مساحة واسعة من وطننا، ولا ننتقص من قيمة ومكانة الهامات الشعرية ممن انجبتهم مكيراس كالبجيري والمنحاز وغيرهم.
لقد كان ابن قاسم علي مناضلاً وطنياً وشخصية اجتماعية محبوبة، وكان له صوته الشعري المميز وحضوره القوي ليس فقط في مكيراس وانما على امتداد الوطن الجنوبي والمناطق الشمالية المجاورة في كل الأحداث والمنعطفات الهامة التي عايشها وشارك فيها وصورها في أشعاره، حيث كان يعبر عن مشاعر وهموم الجماهير وأحاسيسها وتطلعاتها في معظم أشعاره التي كان فيها لسان حال الشعب، يتناول هموم الناس ويعكس رؤاهم بكلّ صدق وشفافية في كافة المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ولهذا وجدت إشعاره طريقها إلى مسامع وقلوب محبيه، وشملت أشعاره أغراضاً متعددة وجدانية ووطنية وعاطفية، وغلبت الأشعار الاجتماعية والوطنية على غيرها.
وقف الشاعر ابن قاسم علي مع ثورة شعبنا السلمية منذ عام 2007م وواكب سيرها بالعديد من القصائد والأشعار التي كان يلهب من خلالها حماس الجماهير الثائرة ضد الظلم والاحتلال ويتقدم صفوفهم كمناضل وطني لا تلين له قناة، ومن إشعاره الكثيرة نورد- على سبيل المثال- أبيات مختارة من قصيدة قالها في 20/12/2013م يؤيد فيها الهبّة الحضرمية:
الهبة الحضرمية
ثورة وخطوة قوية
من حضرموت الأبية
ارض الصفاء والحضارة
اقوى من البندقية
والميج والمدفعية
يا الله سرينا سرية
كلن يجهز سبارة
هبة وفيها مواقف
ضد الغجر والطوايف
هبة وراها عواصف
بشارة أحسن بشارة
هبة وفيها انتفاضه
والحُر بيحرر أرضه
من الذي داس عرضه
والشعب نفذ قراره
ثارت جميع القبايل
مع الحراك الجنوبي
من شرقها لا الغروبي
وهذه اخر شرارة
وأحزاب صنعاء وسنحان
وشيخ حاشد وعمران
تآمروا أمس والآن
على بلاد النمارة
خلاص يا الفاسد ارفع
ارجع الى ارضك ارجع
لا عاد تشعق وترقع
خل الهوس والكباره
كلن تحيزه حدوده
والشيخ يسحب جنوده
يرجع ويضرب بعوده
من مسورة لا سماره
شف الجماهير ثارت
وساعة الصفر دارت
وكفة العدل قرت
والوقت حان انتصاره
برز ابن قاسم علي كواحد من الشعراء الذين ربطتهم علاقة صداقة شعرية وشخصية مع الشاعر الكبير الراحل شائف الخالدي وتبادل معه سبع من أروع المساجلات الشعرية، التي تعرضت لهموم الشعب وقضايا الوطن ، منها ثلاث مساجلات كان المبادر فيها الشاعر شائف الخالدي، وهذا دليل على المكانة التي كان يحظى بها من لدن صديقه الخالدي. فحينما بعث الشاعر سالم قاسم عوذلي أولى مساجلاته إلى الشاعر شائف الخالدي في4/ 5/ 1979م، نالت استحسانه وسارع بالرد عليها، ورأى الخالدي في الشاعر ابن قاسم علي نداً كفؤاً له وهذا ما دفعه إلى أن يبادر بإرسال قصيدة بدع إلى صديقه الشاعر بن قاسم علي في 16/7/1979م، عبر فيها عن اعجابه بأشعاره وكلماته ويطلب منه المزيد منها وهو يحلل صعوبات الواقع حينها، يقول فيها:
والآن يا عازم اتوكَّل
بخط محكومه أبياته
خُذها لبن قاسم الشاعر
وحُطَّها فوق مدكاته
وبلِّغ الشاعر الشعبي
من بَنْ محمد تحياته
عسى بما جاه من عندي
يرغب بلبيات ذي جاته
من حيث ابو لوزه الشاعر
معجب بشعره وكلماته
وقل لسالم يزودّنا
من ما نشر في مجلاّته
لو شي معه لي خبر واقع
حلِّل حروفه وآياته
شُفني بَرَى المرحله طاله
ولا قضى الحاج حاجاته
والحيد ذي نشتي اطْلُوعه
طال ارتفاعه وليَّاته
وتظل أشعار ابن قاسم علي مثل درر البحر كنزاً لا ينفد. وأتمنى أن يكون الشاعر قد دوَّن واحتفظ بكل إنتاجه الشعري الذي نظمه طوال حياته الإبداعية.. وسيكون نعم الوفاء للفقيد أن تطبع أعماله كاملة لتكون في متناول محبيه وكل المهتمين بالشعر الشعبي.