الأثر الحضاري والثقافي العدني في شعر لطفي جعفر أمان
د.عبده يحيى الدباني
مثل شعر لطفي أمان روح عدن وسلوكها الحضاري وإيقاع حياتها الداخلي والخارجي ،ليس ذلك بطريقة مباشرة أو وصفية وخارجية بل كان كل ذلك تمثلا غير مباشر لعدن وطبيعتها الإنسانية المتفردة كأنه تناص عميق نفسي وتربوي وثقافي وسلوكي مع هذه المدينة النص .
على أن شعر لطفي رحمه الله لا يحفل بذكر عدن بشكل مباشر ولعل هذا من أثر عدن نفسه فليس هناك تعصب للمكان أو مبالغة في تميزه وتفضيله وأن كان هذا موجودا في شعر الشعراء على مختلف العصور ، فعدن في شعر لطفي ليست شيئا نبحث عنه هنا وهناك كذكر أو وصف أو تغن أو مديح بل كادت عدن تكون شعر لطفي نفسه اي يكاد شعر لطفي أن يكون هو عدن نفسها او يكون موازيا لها وفق نظرية سيسولوجيا الأدب، فعدن هي مدينة الشاعر وقصيدته الخالدة.
لقد ذهب الدكتور طه حسين رحمه الله إلى أن شعر عمر بن أبي ربيعة يمثل روح الحياة في مدن الحجاز في العصر الأموي وأن شعر أبي نواس يمثل روح حياة بغداد في العصر العباسي. لقد رصدنا جوانب هذا الأثر الحضاري العدني في شعر لطفي على النحو الآتى :
١- من خلال بروز النزعة القومية والإنسانية في شعر الشاعر .
٢. من حيث الظواهر الفنية والاهتمامات والموضوعات الشعرية .
٣.ملامح النفسية العدنية في شعره .
٤. معالم ومشاهد حضارية في عدن.
٥. روح الرفض والثورة وسلسلة الأحداث التاريخية المعاصرة في شعره.
فاما جانب النزعة القومية والإنسانية في شعر لطفي امان فقد تجلى بقوة وقد عددنا ذلك من تأثير مدينة عدن في شاعرها فهي مدينة إنسانية بامتياز وقد تعايش فيها جميع الأجناس فمن ملامح هذا النزعة الإنسانية في شعره ما نجده في قصائد تحدثت اوعبرت عن غزو الفضاء كمنجز علمي إنساني عالمي وكذا الاحتفاء مرارا بمنجزات انسان العصر الحديث كما وجدنا ذلك في قصيدته الشهيرة (الشرق الجديد) في حديثه عن ماضي أمة الشرق وعن حاضرها ومستقبلها وكذا في تفاعل الشاعر مع الأحداث العالمية كالحرب العالمية الثانية وفي ( افريقيات لطفي) على غرار روميات أبي فراس واندلسيات شوقي على ما في افريقيات لطفي من تعاطف كبير مع إخواننا في القارة السمراء .
وما وجدناه في شعر لطفي من نزعة قومية وتفاعل مع الثورة المصرية الحديثة وقائدها الرمز جمال عبدالناصر وغير ذلك من المضامين القومية والانسانية .
فما أكثر ما دارت كلمة أخي في شعر لطفي!! اما جانب الاهتمامات الشعرية والظواهر الفنية وما جرى لها من تأثير عدني حضاري فإننا واجدون ذلك في روح التجديد في الشعر والحياة عند لطفي وكذا استشراف المستقبل في شعره والواقعية الشعرية في الفكر وطريقة التعبير وفي غزل لطفي الواقعي المتفرد كتفرد مدينته في النظر إلى المرأة والتعامل معها فضلا عن شعر الأسرة الذي مثل ظاهرة في شعره ؛ لقد لمعت في شعر لطفي كلمات عدنية من مثل: يطحطحه و بحبوحة و التافه والدهارة ومزهر وغيرها وفي آخر حديثنا في هذا الجانب نشير إلى لطفي وهو يخاطب صورة زوجته المعلقه على جدار غرفته فهل ما يزال أهل عدن اليوم يعلقون صور النساء على جدران غرفهم ام صار ذلك عيبا وحراما ?
اما ملامح النفسية العدنية وطبيعتها في شعر لطفي فإنك ستجدها منبثة في شعره من خلال روح التفاؤل والفرح والبهجة التي فاضت بها قصائد كثيرة ولا غرو فعدن هي مدينة البهجة كما كان يسميها اليونان القدماء كما ستجد روح الإيجابية ونبذ التشاؤم وكذا الحديث عن الأجيال والمنزع التربوي الذي تميز به شعر لطفي مثلما زخرت به حياته وكذا دوران الحديث عن الأضواء والأنوار والتطور والتغيير والكمال.
ومن ثقافة عدن المعهودة العطف على الإنسان الفقير وهذا موجود في شعر لطفي ومن ملامح هذه النفسية العدنية الحضارية فيه تجد الحديث عن العطور والروائح بشكل لافت والتنظيم والترتيب والحديث عن المشردين البائسين وسكان الاكواخ والإيثار والتواضع وحتى مسألة الرفق بالحيوان لقد تحدث لطفي عن كلبه الأمين .
اما جانب المعالم والمشاهد الحضارية في عدن فإنه قد لاقى طريقه إلى شعر لطفي وهذه معالم ومشاهد عدنية من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الشاعر قد نظر إليها بعيون عدنية فلم يصفها وصفا من الخارج فحسب فمن هذه المعالم والشواهد والمظاهر: صهاريج عدن والميناء والعمال والبراكين وجبال عدن والمناخ والعمران والترف والنساء وتعاطي الخمر والقات والاكواخ والفقراء وعابرو السبيل وكذا الحديث الشعري عن اعلام الناس في عدن وغير ذلك . كل هذة المعالم والشواهد والمظاهر ليست معزولة عن عاطفة الشاعر وفلسفته بل انه لونها بدمه اي بمشاعره .
اما جانب روح الرفض والثورة التي تميزت به عدن خاصة والجنوب عامة فقد التمسناها في شعر لطفي من خلال التنوير والتثوير وروح التحدي وعدم اليأس في مثل (طفل متسول) وفي (انا لست وهما ) و( أخي كبلوني ) وغيرها هذه الروح العدنية الجنوبية الرافضة تجدها أيضا من خلال سلسلة الأحداث التي شهدتها عدن وكان لها حضورها في شعر لطفي مثل الحرب الأهلية في عدن قبيل الاستقلال وحدث الاستقلال نفسه وفي رثاء بعض شهداء تلك المرحلة .
اما القصائد التي حملت زخم هذه النزعة الثورية الكفاحية فمنها (بلادي ياحره) و(حوار مع الاستعمار) و(الشهيد احمد بلعيد) و (لي الموت ولكم الحياة) و(تحية السيف) و(من انت) و (اخي كبلوني) و(انتكاسة الثورة ) وغيرها. وأخيرا فإن هذا التناص العدني الحضاري في شعر لطفي أمان سوف نتناوله بإذن الله في بحث رصين مفصل وليس ما ذكرناه في هذا المقال سوى خريطة لذلك البحث المرتقب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كتب – د عبده يحيى الدباني.
من صفحة الكاتب على الفيس بوك.