إجادة إيران للغة الدماء يصعّب الحل السياسي باليمن
الجمعة 1 مارس 2019 20:09:00
رأي المشهد العربي
الموقف الحوثي الرافض للسلام في اليمن لا ينعكس فقط على رغبة داخلية من قبل المليشيات التي تدرك جيدا أن تجاوبها مع المفاوضات التي تجريها أطراف دولية عدة قد يكون مقدمة لنهاية دورها باليمن والذي يقوم أساسا على قوة السلاح، لكنه أيضا يرتبط بالأساس بموقف إيراني يعارض السلام بشكل عام ويجيد لغة الدماء التي تمكنه من الوصول إلى أهدافه.
في جميع الصراعات التي تورطت فيها طهران بالشرق الأوسط لم يفلح السلام حتى الآن لإنهاء الأزمات، بل أن ما تقوم به إيران عبر أذرعها باليمن تكرره داخل سوريا والعراق ولبنان، وتحاول كذلك أن تواجه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الشريكان الأساسين في التحالف العربي من خلال الأعمال العدائية والعسكرية أيضا، عبر الصواريخ البالستية التي تطلقها الحوثي تجاه المملكة العربية السعودية ما بين الحين والآخر ولا تصيب أهدافها وتصدها الدفاعات الجوية السعودية.
وفي العام 2016 كشف محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني عن وجود ما يقرب من 200 ألف مقاتل مرتبطين بالحرس الثورى الإيرانى موجودين فى 5 دول هى سوريا والعراق واليمن وباكستان وأفغانستان والتى تعيش جميعها اضطرابات وحروب دائرة على مدار سنوات، وأكد جعفرى جاهزية نحو 200 ألف مقاتل فى سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان.
لغة الدماء التي تجيدها إيران كانت وراء "عاصفة الحزم" التي أطلقتها المملكة العربية السعودية باليمن في شهر مارس من العام 2015 بعد أن أصبح الخطر الإيراني على مشارف المملكة ولم تكن لديها خيارات عديدة للتعامل مع الوضع سوى من خلال محاوره إيران باللغة التي تجيدها، إذ أنها أدركت أن السياسية والمنطق لن يأتيا بحلول تقضي على هذا الخطر
وبالنظر إلى الوضع اليمني فإن إيران استطاعت أن تتعامل مع الواقع الموجود داخلها في ظل ترهل الشرعية من جانب ومن خلال دعمها العسكري القوي للمليشيات التي استطاعت السيطرة على بعض أجزاء من الأراضي اليمنية، وبالتالي فإن القوة العسكرية في الجنوب استطاعت أن توقف النفوذ الإيراني، وهو ما يجعل المفاوضات التي تجري حاليا لن تؤتي بثمارها طالما غابت القوة العسكرية القادرة على التعامل مع لغة الدماء التي تجيدها طهران وأذرعها.
العاهل السعودي الملك سلمان عبدالعزيز بدا حديثه في القمة العربية الأوربية التي عقدت بمدينة شرم الشيخ المصرية، الأسبوع المنقضي، متناغما مع الرفض الحوثي لمفاوضات السلام المتتالية في اليمن، وذلك بعد أن حمًل مليشيا الحوثي المدعومة منها مسؤولية ما يجري في اليمن وكذلك فإنه عبًر عن خطورة الحالة الحوثية التي تحتاج إلى حل جذري للمشروع الإيراني التوسعي بالمنطقة العربية.
ولعل ما يزيد الموقف اليمني تعقيدا أن المليشيا الانقلابية استعانت بقوى أخرى تجيد لغة الدماء أيضا، وعلى رأسها تنظيم الإخوان الممثل في حزب الإصلاح، وكذلك تنظيم القاعدة التي تحول التعاون معها من الخفاء إلى العلن، بالإضافة إلى تنظيم داعش، وعلى المستوى الخارحي فإنها تعاونت مع قطر الراعي الأول للإرهاب في المنطقة بجانب إيران، ما يجعل الساحة اليمنية بدون مساحة للسلام يمكن التعويل عليها.
ويرى مراقبون إنه كلما ضاق الخناق الدولى علي طهران، كلما عززت إيران من دعمها للمليشيات الممولة منها فى المنطقة واستخدمتها ككارت ضغط على القوى الدولية، ولا يبدو للمناكفات السياسية الإيرانية تجاه خصومها فى المنطقة نهاية، فمع عزم الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب وحلفائه فى المنطقة ردع سلوك الملالى، عزز الأخير من دعمه للعناصر الموالية له لاستهداف الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية، وذلك عبر أيادي حوثية وأهداف إيرانية وخرق للقوانين الدولية والقرارات الأممية.
وذهب البعض للتأكيد على أن إيران تسعى لعرقلة عملية السلام التي من المفترض أن تنتهي لخطوة سحب السلاح من الحوثيين ومن ثم الانتقال إلى مرحلة مؤقتة وبعدها المشاركة في انتخابات متعددة الأطراف تحت رعاية الأمم المتحدة حفاظاً على وحدة اليمن، وبحسب الخبراء والدبلوماســـيين فإن إيران ستعمل بقوة لإجهــاض هذه الخطة باعتبارها تراهن على سلاح الحوثيين، وسحبه يعني بالضرورة عرقلة مشروعها التوسعي في المنطقة.
لا تريد إيران أن تنهي وجودها في الدول التي توسعت بها سواء أكانت اليمن أو سوريا أو العراق ولبنان، إضافة إلى النظام القبلي اليمني الذي اعتاد على وجود الأسلحة بين يديه، بجانب إلى أنه لا يوجد ضغط دولي على إيران للتوصل إلى صفقة سياسية تزيد من فعالية الحل السياسي، فسحب السلاح يحتاج بداية إلى إضعاف وجود هذه الميليشيا ووقف الدعم المقدم لها من إيران وتصنيع السلاح، إضافة إلى تعزيز القوى الوطنية.
ويشير دبلوماسيون إلى أن الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران ترفض السلام باعتباره انتحاراً سياسياً، ونهاية لهيمنة الحركة الحوثية على مقاليد صنع القرار في اليمن، وإيران تسعى لإنشاء ميليشيــات موازية من خلال اعتمادها على الحركة الحوثية كونها أحد مخالبها في المنطقة.