على خطى «داعش».. مليشيا الحوثي تفخخ أثار اليمن
دفعت الحضارة اليمنية ثمنا باهظا ولم يتوقف الانقلاب الحوثي عند سفك الدماء فقط، وتواصل المليشيات تشويه التاريخ وتزييف صفحاته ظنًا منهم بأن التاريخ يكتبه الانقلابيون وتعمل كل يوم ما فعله تنظيم داعش الإرهابي في العراق من خلال تجريف الهوية اليمنية.
وتدمر المليشيات الانقلابية جميع المعالم التاريخية في المحافظات التي تسيطر عليها، وعلى سبيل المثال، أقدمت المليشيات على تفجير سرداب أثري في منطقة الرياشية بمحافظة البيضاء وسط البلاد في أواخر 2018.
وفجرت السرداب الذي يضم قبر لأحد الملوك الحمريين، وعدد من المومياوات، بعد أن دمرت بوابته المنحوتة من الصخر وقامت بنهب محتويات السرداب من مومياوات وتحف أثرية وتماثيل قبل أن تقدم على تفجيره.
وعمدت مليشيا الحوثي الانقلابية، منذ انقلابها على الشرعية إلى تشويه وتدمير الأثار والمعالم التاريخية اليمنية وبشكل ممنهج، ونهبت مئات الأثار النادرة وباعتها في السوق السوداء وهربتها إلى خارج البلاد.
كشف مصدر في هيئة الحفاظ على المدن التاريخية في صنعاء، أن جرافة تابعة للمليشيات الحوثية، قامت بإزالة مبنى تاريخي كامل تحت حماية أحد المشرفين الحوثيين .
وأضاف المصدر في تصريحات لـ "المشهد العربي" أن المنزل الذي تعرض للإزالة في حارة بستان السلطان بمدينة صنعاء القديمة، يعود إلى مئات السنيين.
وأشار إلى أن صاحب المنزل يسعى لبناء منزل جديد، وهو ما يمثل تشويه لمعالم المدينة الموثقة مؤكدا أن مثل هذه الممارسات تهدد بشطب مدينة صنعاء القديمة من قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وكانت مليشيا الحوثي قد شوهت مباني صنعاء القديمة بشعاراتها الطائفية على المنازل في المدينة، ومدخلها الرئيسي باب اليمن .
وشنّت المليشيات حرباً خفية استهدفت معالم مختلفة في صنعاء القديمة ونهب متحف بينون في ذمار، بينما تعرضت المدينة التاريخية المعروفة بـ"زبيد" لضربات هي الأخطر.
تقع زبيد في الساحل الغربي لليمن، ومنذ العقود الأولى للإسلام كانت شعلة للفكر التنويري ومركز علم مرموقاً، حتى إنّها عرفت بمدينة الروح والعلم والعلماء وأكسفورد الشرق ومعقل الأشاعرة".
ظلّ إرث زبيد الحضاري - ثاني أهم المدن اليمنية التاريخية بعد صنعاء القديمة - الأكثر جذباً للسائحين وطلاب العلم والباحثين حتى ما قبل الانقلاب الحوثي، الذين حولوها لمدينة طاردة للسكان، بعد تجسيده العقيدة الإرهابية لتنظيمي "داعش" و"القاعدة".
تنوّعت جرائم الحرب الحوثية تجاه زبيد بين النهب والتدمير والتهجير القسري والتفخيخ بالعبوات قرب المباني الأثرية، في ضربات حربية مشتركة طالت التاريخ والأرض والإنسان معاً بحسب صحيفة "العين" الإماراتية، كما شيّدت مليشيا الحوثي ثكناتها العسكرية داخل عشرات المنازل في محيط المدينة التي يعود تأسيسها للقرن الميلادي التاسع، علاوةً على تحويل مخازن أخرى للأسلحة والذخيرة.
وبحسب مصادر مطلعة، فإنّ المليشيات نهبت كنوزاً ثمينة من مكتبة وقلعة مدينة زبيد، ومحفوظات نفيسة ظلت محفوظة كمعالم لحضارة كانت يوماً معلماً للثقافة والفكر والأدب.
في هذا الإطار، حذّر أستاذ التاريخ بجامعة تعز الدكتور أمين المخلافي، المبعوث الأممي مارتن جريفيث، من استمراره في رعاية عملية سلام تمنح الملشيات وقتاً لتدمير التراث اليمني، لا سيّما مدينة زبيد التي تلقت طعنات مميتة من الإرهاب المدعوم من نظام طهران.
وأضاف أنّ آلة التفجير والتدمير الحوثية ظهرت بشكل علني ضد الموروث الحضاري منذ قرابة شهرين، تزامناً مع إبرام اتفاق ستوكهولم، والذي تمثل هدنة الحديدة أبرز نتائجه، موضحًا أنّ بصمات إيران واضحة خلف ذلك، من أجل تدمير ذاكرة المجتمع اليمني وتشكيل وعي جديد يتحول مستقبلاً إلى قنابل موقوتة مع محيطه العربي.
وكان تقريرٌ قد صدر عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان في نوفمبر الماضي، قد وثّق جزءاً من الانتهاكات والاعتداءات التي نفذتها مليشيا الحوثي ضد المعالم الحضارية والأثرية في اليمن، إما بقصفها أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية.
وأبرز التقرير الميداني للمنظمة الحقوقية اليمنية، الذي شمل تسع محافظات، اهتمام الحوثيين بالسيطرة على القلاع والقصور التاريخية لما لها من أهمية استراتيجية في المعارك العسكرية، وكشف عن استخدام المليشيات للمعالم الأثرية كحصون عسكرية لشن هجماتهم انطلاقاً منها، وعرض عدداً من الأدلة بينها هجوم الحوثيين على موقع القفل في صعدة، وقصر دار الحجر في لحج، وقلعة القاهرة في تعز، وغيرها.
كما أكّد التقرير أنّ مدينة براقش التاريخية في مأرب (وهي أقدم مدينة باليمن ترجع إلى 1000 قبل الميلاد)، التي تضم معابد بارزة، حوّلها الحوثيون عام 2015 إلى مكان لتخزين الأسلحة، ما عرضها للقصف.
وعلى الرغم من محاولات تدمير مدينة براقش منذ سقوط الدولة المعينية، أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، وحتى سيطرة الحملة العسكرية الرومانية عليها، فإنها ظلت صامدة، وظل سور المدينة قائماً، ولم يؤثر في المدينة تعاقب السكنى فيها، وإعادة استعمال أنقاض المباني القديمة في العصر الإسلامي، حتى وصلتها ميليشيات الحوثي في العصر الحالي.
وظلّت معالم مدينة براقش، رغم أنّ بناءها يعود إلى ما قبل الميلاد واضحة، وصمد سورها وحصنها ومعبدها الأثري وبقيت أبراجها (56 برجاً) بحالة جيدة، ومثلت بذلك جوهرة الآثار ليس في اليمن فحسب، بل في أرجاء الشرق الأدنى القديم كافة، قبل أن تحولها مليشيا الحوثي عقب انقلابها نهاية 2014