مقترح السلطة المحايدة.. هل يمثل خطوة أولى لإعادة ترميم اتفاق السويد «المنهار»؟
رأي المشهد العربي
دخلت الجهود الدولية مرحلةً جديدةً للتعامل مع الأزمة في اليمن على الصعيد الدبلوماسي، عنوانها "السلطة المحايدة"، وهو مقترح بريطاني يعيد النظر في تولي إدارة ميناء الحديدة.
هذا التطور جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني جريمي هنت خلال زيارته للبلاد، حيث اقترح تسليم ميناء الحديدة لـ"سلطة محايدة" لا تتبع السلطة المحلية.
وأبدى الوزير البريطاني مخاوفه من عودة الأوضاع في اليمن إلى حرب شاملة، بسبب عدم تنفيذ الاتفاق بين الحكومة والمليشيات، ولمح إلى أن زيارته للمنطقة قد تكون آخر فرصة لإنقاذ اتفاق السويد وعملية السلام.
وشملت زيارته العاصمة عدن، بعد جولة له في المنطقة، بدأت من عمان ثم السعودية والإمارات العربية، حيث التقى مسؤولين عمانيين، والمتحدث باسم المليشيات الحوثية في مسقط، كما التقى في كل من الرياض وأبوظبي بالرئيس هادي، ووزيري خارجية السعودية والإمارات.
لم تنتظر حكومة هادي كثيراً للرد على ذلك، حيث أعلنت رفضها لهذا المقترح، واعتبرت أنّ الحديث عن تسليم الميناء لـ"سلطة محايدة" تفسير غريب يبتعد كليًّا عن مفهوم اتفاق السويد.
وذكر بيانٌ صادرٌ عن الحكومة أنّ "الأخيرة" تبدي استغرابها من التصريحات التي أدلى بها هنت لكونها تأتي في سياق يختلف عما تم الاتفاق عليه في ستوكهولم أو حتى ما دار من نقاشات في زيارته الأخيرة للمنطقة.
وأضاف البيان أنّ كافة القوانين اليمنية والقرارات الدولية وكل البيانات والمواقف الدولية ذات الصلة تؤكد الحق الحصري للحكومة في إدارة شؤون الدولة اليمنية وبسط نفوذها على كافة تراب الوطن دون انتقاص.
وأوضحت الحكومة أنَّ موضوع السلطة المحلية مسألة قد حسمت في اتفاق السويد الذي أكد على أن تتولاها قوات الأمن وفقاً للقانون اليمني واحترام مسارات السلطة ومنع أي عراقيل أمام السلطة بما فيها المشرفون الحوثيون.
واعتبرت الحكومة أنَّ الحديث عن سلطة محايدة لا تتبع السلطة الشرعية هو تفسير غريب يبتعد كليًّا عن مفهوم الاتفاق (اتفاق ستوكهولم) ومنطوقه (بنوده)، موضحةً أنَّ "هنت سبق أن قال إنّ مليشيا الحوثي تحتل الحديدة وبالتالي فإنّ مهمة القانون الدولي والمجتمع الدولي هي العمل على تنفيذ الاتفاق وليس إفراغه من محتواه والبحث عن حلول غير قابلة للتطبيق.
في الوقت نفسه، رفضت المليشيات الحوثية هذا المقترح، وأعربت عن رفضها التعامل مع بريطانيا كوسيط لحل الأزمة القائمة في البلاد.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت - مع الإعلان عن الاتفاق على المرحلة الأولى من إعادة الانتشار في 17 فبراير الماضي- التوصُّل إلى اتفاق مبدئي على نشر قوات يمنية محايدة لم يسبق لها أن شاركت في المواجهات الدائرة منذ ما يزيد على أربع سنوات، وذلك بعد أن تكون بنود تفاهم ستوكهولم قد نُفّذت جميعها، سواءً على مستوى الانسحاب أو فتح الممرات الإنسانية أو رفع القيود المفروضة على موانئ الحديدة.
وأوضحت المصادر - آنذاك - أنَّ رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار اقترح في البداية نشر قوات دولية في مناطق آمنة، لكنّ المليشيات الحوثية رفضت هذا المقترح، فتمّ التفاهم على الخيار البديل المشار إليه، والذي نبّهت المصادر نفسها إلى أنّ بلورة صيغته النهائية ومن ثم تنفيذه كانا سيستغرقان وقتاً.
لكن وزير الخارجية البريطاني استعجل، على ما يبدو، في إشهار هذه الورقة، واستخدامها سلاحاً بوجه المليشيات، في محاولة لتصعيد الضغوط على الحركة، ولعلّ هذا هو ما يفسّر حدة موقف الحوثيين في تعليقه على تصريحات جيريمي هنت.
التطورات حول الوضع في الحديدة تثير الكثير من علامات الاستفهام، أولها هو ما يبدو جلياً من محاولات العمل على قِصر التعامل مع الملف اليمني على الوضع في الحديدة فقط، وهو ما يمكن اعتباره فخاً سقطت فيه الحكومة، فقد كان من الأولى قبل الانخراط في أي اتفاق أن يكون شاملاً لكل الأزمة في البلاد ويردع المليشيات الحوثية.
لكن في المقابل، ترى أصواتٌ أخرى أنّ الاتفاق حول الحديدة قد يمثل نقطة بداية نحو التوجّه لتوافقات أكبر وأشمل، وهذا مردود عليه مما يحدث على الأرض، فالمليشيات الحوثية تمارس كل صنوف الخروقات على النحو الذي يذبح أي آمال نحو إحداث حلحلة سياسية في البلاد.
وبالنظر لما جرى في الفترة الماضية، فإنّ الإقبال على أي اتفاق يتوجب مع تحديد آليات تلزم طرفَيه بتطبيق بنوده كاملة، وتحديد طرق لإيقاف أي انتهاكات ترتكبها المليشيات.
وفيما يتعلق باتفاق السويد، فيمكن تحديد جوهر الخلاف في مسألة الإدارة والأمن في مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة، حيث تقول المليشيات الحوثية إنَّ إعادة الانتشار لا تعني تخليها عن السلطة المحلية والأمن، وهو ما ترفضه الحكومة التي ترى أن مقتضيات اتفاق السويد تسليم المدينة والحديدة للسلطة الشرعية المعترف بها دولياً.
في هذا السياق، لا يزال رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار، الجنرال الدنماركي مايكل لوليسجارد، يواصل لقاءاته المنفصلة مع ممثلي الحكومة والجماعة الحوثية في محافظة الحديدة، أملاً في تقريب وجهات النظر، والبدء في تنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار.
وفي تصريحات سابقة لممثلي الحكومة في لجنة إعادة الانتشار، طالبوا الجنرال الأممي بتحديد الطرف المعرقل لتنفيذ الاتفاق، وذلك بعد أن رفضت المليشيات الانسحاب الأولي من مينائي الصليف ورأس عيسى، في الخطوة الأولى من الخطة المقترحة من قبل لوليسجارد.
ويرفض الحوثيون نزع الألغام، وفتح الممرات الآمنة، وسحب ميليشياتهم وقياداتهم المعينين في مفاصل المؤسسات الحكومية في محافظة الحديدة، بذريعة أنهم هم السلطة المحلية وقوات الأمن المحلية.
إجمالاً، لا يمكن توقع تحرك فعال في المرحلة المقبلة فيما يتعلق باتفاق السويد لا سيّما أنّ المليشيات نفّذت ما لا يقل عن 1600 خرق لبنوده، وبالتالي قد يمثل مقترح السلطة المحايدة خطوة أولى على طريق الحل بين الحكومة والمليشيات، بغية فرض نوع من التهدئة ومن ثم تطوير مثل هذه التوافقات على النحو الذي يساهم في حل الأزمة في البلاد، حتى وإن بدا ذلك بعيد المنال.