همس اليراع
ما لم يقله السيد بشير البكر
د. عيدروس النقيب
تداول العديد من مواقع التواصل الاجتماعي أجزاء من اللقاء التلفيزيوني الذي أجراه مدير قناة بلقيس الصحفي أحمد الزرقة ضمن برنامجه "لقاء خاص" مع الأديب والشاعر والكاتب والمفكر العربي بشير البكر رئيس تحرير صحيفة وموقع "العربي الجديد" والتي تركز فيها الحديث عن الوضع في اليمن وبالأخص ما يتعلق بالقضية الجنوبية.
لست متأكداً أن أحمد الزرقة كان يعرف بشير البكر جيداً وإلا لما استضافه، ليس لأنه قد يحب أو لا يحب الأستاذ بشير البكر، بل لأن سياسة القناة والقائمين عليها ومموليها لا يقبلون بمثل ما ورد على لسان السيد البكر وقد يفقد الصحفي الزرقة موقعه بسبب ما ورد في هذا اللقاء.
أكثر ما لفت النظر في حديث السيد البكر هو ذلك الإلمام الجيد بالكثير من التفاصيل الدقيقة التي ربما لم يكن الكثيرون يلمون بها حتى من أنصار قضية الجنوب، أما أنصار الطرف الآخر فقد بنوا كل فلسفتهم الإعلامية والسياسية على شيطنة وتكفير الجنوب والجنوبيين كطرف مهزوم (كافر) وتقديم الجرائم التي ارتكبت بحق الجنوب والجنوبيين على إنها أعمال بطولية وربما هبة إلهية خص الله بها الطرف المنتصر (المؤمن).
لفت نظري في تساؤلات الصحفي الزرقة وإجابات السيد البكر عددٌ من النقاط المتصلة بالشراكة الجنوبية في نظام ما بعد 1994م، فقد أشار الزرقة بأدبٍ شديد إلى أن حرب 1994م لم تكن شمالية-جنوبية بقدر ما شارك الكثير من الجنوبيين في الحرب على الجنوب، وهذا ما ظل الكثيرون يكررونه عبر وسائل إعلام تحالف 1994م في محاولة لدق الأسافين بين الجنوبيين وتذكيرهم بصراعاتهم التي يحاولون تجاوز تبعاتها من خلال مبدأ التصالح والتسامح؛ الذي شق طريقه بقوة في ثقافة ووعي الكثير من الأوساط الجنوبية، ولن أخوض في هذه التفاصيل فالجميع قد صار يدركها حق الإدراك، لكنني أشير هنا إلى أن معظم قادة الحراك الجنوبي الذي انطلق في العام 2007م هم ممن شاركوا في الحرب على الجنوب في العام 1994م، بعد أن اكتشفوا أن تحالف الحرب لم يشركهم إلا لاستخدامهم ضد أهلهم وأبناء جلدتهم وتسويقهم كأدوات زينة لمشروعه المقيت ثم لتوريطهم في اتهامات كان قد أعدها لهم سلفاً.
في حديث شخصي مع الأستاذ المناضل محمد سالم با سندوة رئيس حكومة الوفاق الوطني (2012 – 2014م) والمناضل التاريخي المعروف، قال الأستاذ با سندوة أنه وأثناء اللقاءات التي كانت تجري مع الرئيس علي عبد الله صالح بعد حرب 1994م، كان (الأستاذ با سندوة) قد طرح فكرة تعزيز الشراكة الشمالية ـ الجنوبية، بالقول ما معناه "إننا سنكون شركاءك عن الجنوب" فرد الرئيس صالح بتوتر وعصبية شديدة "أنا لا شريك لي ولا أبحث عن شركاء،!!!"، ما يؤكد أن الحرب على الجنوب لم تكن فقط بسبب اختلاف السياسات أو ما تعرض له القادة الجنوبيون من ابتزاز وتهديد وعمليات ومحالاوت اغتيال، بل إن العنصر الرئيسي كان احتلال الجنوب وضمه إلى الشمال والسيطرة عليه وتحويله إلى غنيمة حرب ولا شيء غير ذلك، وبعدها لا بأس من تعيين ممثلين صوريين بلا مسؤوليات ولا صلاحيات إلا التصرف ببعض الأموال من مخصصات وزاراتهم أو مؤسساتهم، وهذا لا قيمة له في ميزان التمثيل السياسي والمشاركة السياسية، وقد ورد ذلك في حديث السيد البكر رداً على سؤال الزرقة الذي قال فيه أن كل الحكومات كان فيها أكثر من 40% من الجنوبيين، وأن رؤساء الوزراء كانوا في الغالب جنوبيين.
أختتم هنا بحديث سمعته من أكثر من وزير جنوبي، حيث كنا نتبادل الحديث عن أول جرعة جرت بعد انتخابات ٢٠٠٣م النيابية، برفع أسعار الكهرباء والوقود والهاتف في العام 2005م، بحضور زميلين من الوزراء الجنوبيين، وسألتهما: كيف عملتم هكذا في حين كان الشعب ينتظر منكم موقفا مختلفا يخفف عنه المعاناة ويمنحه بعض الطمأنينة على مستقبل أبنائه،، فرد الزميلان بما مضمونه: أن جميع الوزراء يستلمون التقارير وقد يقرأونها ونادرا ما يناقشونها ولا يصنع القرارات إلا ثلاثة أفراد هم رئيس الوزراء ونائبيه.
تلك هي الشراكة والتي يتحدث عنها الأشقاء منذ العام 1994م، وما يهيؤون له في المستقبل من شراكات بعد إقناعهم للحوثي بالسماح لهم بمشاركته في السلطة بعد التسوية السياسية المرتقبة التي لم ولن تتغير على أي مدى منظور.
تحية للأديب والشاعر والكاتب والمفكر العربي الأستاذ بشير البكر، رئيس تحرير "العربي الجديد".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من صفحة الكاتب على فيسبوك