بصراحة وهدوء.. عن المرجعيات الثلاث 4
د. عيدروس النقيب
لنواصل الحديث عن المرجعيات الثلاث المتعلقة بالأزمة اليمنية ونتناول هذه المرة قرارات الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الأمن الدولي وقابليتها للمساهمة في إخراج البلد من حالة الحرب والتدمير وإزهاق الأرواح البريئة، إخراجها إلى فضاءات السلام والحرية والنهوض المعيشي والخدمي والاجتماعي والاقتصادي وتقرير ما يريده الشعب جنوباً وشمالاً.
من المعروف أن هناك سلسلة من القرارات التي اتخذتها المنظمة الدولية من خلال مجلس الأمن الدولي وبعضها بمثابة تأكيد على بديهيات ليست محل اختلاف بين الجميع بما في ذلك الأطراف المتنازعة نفسها رغم أن لكل طرف تأويله لما يتضمنه هذا القرار أو ذاك، من قبيل التأكيد على تثبيت الأمن والاستقرار وبناء منظومة الدولة والمواطنة المتساوية وتجريم القتل وتسليم السلاح للدولة واحترام مؤسساتها والجلوس على طاولة الحوار وغير ذلك، لكن القرارات التي يتم التركيز عليها هي تلك المتعلقة بالعقوبات، وينسى المتنازعون أهم قرار يفترض أن يعملوا على رفعه وهو قرار وضع اليمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا القرار يتعلق بإنها الانقلاب والاحتكام إلى دولة تعبر عن كل المواطنين بمختلف أطيافهم وتحترم إرادة الشعب وحقه في اختيار طريقه المستقبلي.
ومثلما يتعلق الأمر بالمبادرة الخليجية التي جاءت في زمن غير الزمن الراهن فإن الكثير من قرارات مجلس الأمن قد مضى عليها زمن شهد عدداً من المتغيرات التي إذا ما أخذت بعين الاعتبار (وهو ما ينبغي أن يتم) ستجعل هذه القرارات غير ذات قيمة وهو ما يفقدها أهميتها بل وصلاحيتها في معالجة الأزمة.
بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبعد تحرير الجنوب وعجز الحكومات الشرعية عن إثبات أهليتها في القيام بواجباتها تجاه سكان المناطق المحررة، فإن معادلات كثيرة قد تغيرت، أهمها أن ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على الرئيس السابق، لم تعد ذات جدوى بالنسبة للمجتمع الدولي، وهذا بطبيعة الحال لا يلغي موضوع الأموال المنهوبة التي هي قضية حق وقانون ستظل مرتبطة بإقرار القانون الخاص بـ"الأموال المنهوبة " ، وهو القانون الذي كان قد جرى إعداده من قبل وزارة الشؤون القانونية في زمن طيب الذكر الدكتور محمد المخلافي وجرت زحلقته لأن الكثير ممن يديرون شؤون الدولة قد يمسهم هذا القانون ولذلك زحلقوه وزحلقوا معه سيادة الوزير ورئيس الوزراء وغيروا الحكومة كاملة.
لكن الجزء الأكثر أهمية في هذه القضية هو أن بعض المفروض عليهم عقوبات اليوم قد غدوا في قائمة ضحايا الانقلاب، وتجري محاولات ملحوظة لإعادة استقطابهم إلى صف التحالف المناهض للانقلاب وهناك مساعي لرفع تلك العقوبات عنهم، لكن المعضلة أن هذه العقوبات اتخذت في حزمة واحدة شملت فيما شملت مع المذكورين بعض الأسماء الحوثية وبالتالي فإن أي تعديل في العقوبات يتطلب مراجعة كل تلك العقوبات كحزمة واحدة وسيكون من الصعب تجميد العقوبات على بعض من شملتهم واستبقاؤها على البعض الآخر، أما إلغاؤها على الجميع فتلك ستضيف انتصاراً كبيراً للحوثيين فوق انتصار استوكهولم الذي منحهم الأمان في الحديدة ليتجهوا جنوباً لاستعادة الجنوب إلى بيت الطاعة المشتركة "بينهم وبين بعض أساطين الشرعية" بعد أن أمنوا مخاوف فرضة نهم التي لم تتحرك عشرة أمتار منذ 4 سنوات.
إن قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالأزمة والحرب في اليمن قد تجاوزها الزمن، فهناك أرضٌ الجنوب التي تحررت ويخوض أبناؤها نضالاً مستميتاً من أجل فرض الأمن والاستقرار فيها بعد أن تخلت عنهم السلطات الشرعية، وبعد أن تعدد العابثون على ترابها ليشمل جزءً ممن انتصر لهم شعب الجنوب، كما حقق المبعوثون الدوليون مكاسب كبيرة للانقلابيين حولتهم من طرف على وشك الهزيمة والسقوط إلى ندٍ قويٍ للحكومة الشرعية التي عجزت عن تنظيف العاصمة المؤقتة من أكوام القمامة وبحيرات مياه الصرف الصحي، وهو ما يجعل قرارات المنظمة الدولية تسير في عوالم غير عوالم الوقائع المعاشة على الأرض وفي فضاءٍ غير ما يتطلع إليه الناس على الأرض.
(في الحلقة القادمة سنتناول قضية ""وحدة اليمن واستقراره"" كجزء من القرارات الدولية).