همس اليراع

22 مايو .. الوحدة أم الموت؟

د. عيدروس النقيب

كنت في عدن منذ الصباح الباكر وارتديت الكرفتة بعد انقطاع نحو سنتين بسبب أن أجواء عدن والمناطق الساحلية لا تستدعي ولا تحتمل لبس الكرفتة، حضرنا مهرجان إشهار الجمهورية اليمنية وكان الحبور والبهجة مسيطرين على الجميع . . . إنه يوم 22 مايو 1990م.
لم تدر سنة حتى كانت محاولة اغتيال القائد السياسي والثقافي والشخصية التاريخية أحد مؤسس الحرس الوطني المشارك في فك الحصار عن صنعاء عام 1967م المرحوم الأستاذ عمر الجاوي، التي أصيب فيها وتوفي زميله الشهيد د. حسن الحريبي.
أشهر قليلة وجاءت حادثة محاولة اغتيال الأستاذ عبد الواسع سلام وزير العدل التي أصيب فيها إصابةً بالغة، وتوالت محاولات وعمليات الاغتيال والهجمات على منازل القادة الجنوبيين: منزل الدكتور يس سعيد نعمان رئيس مجلس النواب، منزل الأستاذ سالم صالح محمد عضو مجلس الرئاسة، منزل المهندس حيدر العطاس رئيس مجلس الوزراء، وغيرهم، وكانت حادثة التقطع للشهيد ماجد مرشد الله يرحمه، وتصفيته بتلك البشاعة على يد شقيق رئيس الجمهورية مؤشراً واضحاً على استحالة الاستمرار في هذا الطريق المحفوف بالقتل والاغتيال. 
وكلما أتت ذكرى لـ 22 مايو يكون قد تنامى عدد ضحايا الاغتيال أو الاستهداف بالاغتيال، ولم تأت الذكرى الرابعة حتى كان علي عبد الله قد أعلن الحرب على الجنوب (في يوم الديمقراطية 27 أبريل) وقال مقولته المشهورة "الوحدة أو الموت" وسبحان من يجيب دعوة الداعي إذا دعا، فقد غدا الموت الرديف الأوحد لكل ما له صلة بالحياة، ولم يقتصر الموت على الأشرار بل كان الخير والأخيار هم أكبر الضحايا.
تعرض الشريك الأكثر رغبةً وحباً لـ"الوحدة" للغزو وعندما يكون الغازي همجياً ، يستند على ثقافة الاستباحة والفيد والغنيمة ويسعى لتكريس حالة الهيمنة والغلبة يتحول ضحية الغزو إلى ضحية لكل الجرائم التي ترافق الغزو, وقد تحول الجنوب كل الجنوب، أرضاً وإنسانا وثروةً وتاريخاً وهويةً وثقافةً إلى غنيمة حرب بيد المنتصر (شريك الوحدة).
الذين يهونون مما جرى للجنوب يقولون: هي أخطاء فرد والفرد قد ذهب ونحن سنصححها، مع إنهم كانوا شركاء في الغنيمة والجريمة، وينبغي أن يذهبوا كما ذهب من ينسبون إليه الـ"أخطاء".
مذ ذاك تحول 22 مايو إلى كابوس مرعب على الجنوب والجنوبيين، ولا أدري بأي شعور يحتفل بعض الجنوبيين بهذا اليوم وهم يرون الغزو تلو الغزو يتوالى على الجنوب والجنوبيين والأرض والإنسان قد انتقلا من القرن العشرين إلى غياهب القرون الوسطى وشقيقاتها.
* * *
أدهشتني كثيراً جرأة أحد المتصنعين دور "المحلِّل (وربما المخلِّل) السياسي" الذي طالب بتقديم اللواء عيدروس الزبيدي للمحاكمة، (مع إنني من أنصار تفعيل القضاء وتحكيم القانون وجعلهما الفيصل في التبرئة أو الإدانة لأي كان) لكن صاحبنا يريد محاكمة اللواء الزبيدي ليس لأنه ارتكب جناية أو حتى جنحة، بل لأنه يتصدر نضالات الشعب الجنوبي من أجل حقه المشروع في تقرير مصيره واستعادة دولته، ولم يجرؤ (المحلل) على المطالبة بمحاكمة من ينهبون الإعانات والإغاثات ومرتبات الجنود ومخصصات عشرات آلاف الأسماء الوهمية، ومستحقات السبعين بالمائة من الجيش الرسمي الذين "يلوون في الشوارع" كما صرح بذلك وزير دفاعهم ناهيك عن أنه لا يجرؤ ولن يجرؤ على المطالبة بمحاكمة القادة الحوثيين، استبقاءً لخيط الود معهم، فقد ينتصرون مرةً أخرى وينال نصيبه من انتصارهم.
مذيعة الجزيرة تسأل نائب رئيس الدائرة الإعلامية بالمجلس الانتقالي الجنوبي الأستاذ الإعلامي منصور صالح: ما الفرق بينكم وبين الحوثيين، ولم تسأل "المخلل السياسي " عن الفرق بين مطالبه ومطالب الحوثيين.

ــــــــــــــــــــ

من صفحة الكاتب على فيسبوك


مقالات الكاتب