مقاطعة غريفيث.. أزمة اليمن مع الأشخاص أم المجتمع الدولي؟
رأي المشهد العربي
لا يختلف أحد على أن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث يعد أحد أسباب العديد من الانتكاسات التي تعرضت لها الأزمة اليمنية منذ أن تولى منصبه، لكن في الوقت ذاته فإنه لا يمكن الفصل ما بين مواقفه وبين مواقف من سبقوه في هذا المنصب وهم جمال بن عمر وإسماعيل ولد شيخ، واللذان عملا تحت مظلة الأمم المتحدة.
تتشابه وضعية غريفيث الحالية مع بن عمر وولد شيخ، إذ أنهما تمت تنحيتهما من المنصب بعد أن أصبحا جزءا من المشكلة بدلا من الحل، وكانت رغبة الحكومة حاسمة في الإطاحة بهمها، وهو ما يتكرر حاليا بعد الخطاب الذي وجهه الرئيس عبدربه هادي منصور إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وشمل على جمل ومواقف تقطع جميع العلاقات ما بين الحكومة والمبعوث الأممي.
وأبلغ منصور هادي، الخميس، أمين عام الأمم المتحدة عدم القبول في استمرار المبعوث الدولي مارتن غريفيث في مهامه إلا بضمانات كافية بمراجعة تجاوزاته في التعاطي مع ميليشيات الحوثي.
وسرد الخطاب تجاوزات المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن والتي بلغت “مستويات غير مسبوقة ضربت بعرض الحائط كل المرونة والتنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية لإنجاح مخرجات السويد”، كما تضمنت الرسالة اتهاما لغريفيث بـ“توفير الضمانات للميليشيات الحوثية للبقاء في الحديدة وموانئها تحت مظلة الأمم المتحدة”.
تضمن خطاب الرئيس اليمني عبارات شديدة اللهجة، بما يشي بإمكانية الاستجابة لطلبه، ولكن هناك تساؤلات هامة لابد أن يكون هناك إجابة عليها، أولها؛ "هل سيتغير الموقف الأممي من الأزمة اليمنية بتغير غريفيث؟"، وإذا كانت المشكلة في الأشخاص فلماذا لم تظهر بصمات الأمم المتحدة بعد تغير المبعوثين السابقين؟.
الإجابة على هذين السؤالين حاضرة في أذهان الجميع، فالكل يدرك أن الأشخاص تسير وفق الإطار العام الذي تحدده الأمم المتحدة، حتى الشخصيات العربية التي كانت حاضرة في هذا المنصب لم تستطع أن تخرج عن هذا الإطار، وهو ما يعني أن تغير الموقف الدولي من مليشيا الحوثي الانقلابية والتعامل معها كخطر داهم على اليمنيين هو من سيؤدي إلى وجود مبعوثين أممين فاعلين.
كما أنه لا يمكن تحميل الأمم المتحدة وحدها مسؤولية هذا التردي في التعامل مع الملف اليمني، إذ أن فشل الشرعية في كثير من الملفات تحديدا العسكرية وعدم قدرتها في توجيه المساندة اللازمة للتحالف العربي، بالإضافة إلى غياب أدواته الدبلوماسية التي تجبر المجتمع الدولي على تغيير مواقفه سببا رئيسيا في عدم فاعلية المبعوثين الأممين لليمن وانحيازهم الدائم للمليشيات الإيرانية.
ولا يمكن أيضا أن نغض الطرف عن المساندة الغربية لإيران أمام الولايات المتحدة، ففي ظل التصعيد الأمريكي الحالي ضد طهران تظهر دول الاتحاد الأوربي في دور المساند الخفي لإيران، وهو ما ينعكس على مواقف المجتمع الدولي من المليشيات الحوثية، في ظل عدم وجود اتفاق دولي على أهمية مواجهة أذرع إيران الإرهابية في المنطقة في وقت تقود فيه الولايات المتحدة الأمر بمفردها.
وبالتالي فإن اتهام الرئيس اليمني إلى غريفيث بـ"ضعف إدراك طبيعة الصراع الدائر في اليمن خاصة المكون العقائدي والفكري والسياسي للميليشيات الحوثية"، هو اتهام في غير محله، لأن المبعوث الأممي يدرك تماما بوصلة الأمم المتحدة في مواجهة العناصر الانقلابية، وهي بوصلة تتجه نحو عدم المواجهة الشاملة لتلك المليشيات في الوقت الحالي.
ويظهر ذلك في عدم تعاطي غريفيث مع معظم محاور اتفاق السويد ومن ذلك ملف الأسرى والمعتقلين ورفع الحصار عن تعز، وعمله في المقابل على إطالة أمد الصراع في الحديدة عبر تجزئة الاتفاق، ومحاولاته في الآونة الأخيرة التوافق مع الحوثيين لتعزيز شكل من أشكال الإدارة الدولية في الحديدة، ما وصفته الرسالة بأنه تجاوز صارخ للسيادة اليمنية.