استراتيجية جريفيث ووضع اليمن المعقد.. هل تخترق جدار الأزمة؟
على الرغم من تحركاته على الصعيد السياسي من أجل إحداث حلحلة مطلوبة تخترق جدار الأزمة اليمنية المعقدة، إلا أنّ جهود المبعوث الأممي مارتن جريفيث تظل محاطة بالكثير من التشكيك في جدواها بفعل الاستراتيجية الأممية التي تتعامل مع الأزمة.
صحيفة "الشرق الأوسط" سلّطت الضوء في عددها الصادر اليوم الجمعة، على جهود جريفيث، لإطلاق مبادرة سياسية جديدة، وأشارت إلى أول إحاطة لجريفيث في العام الجاري، أمام مجلس الأمن الدولي، وتطلعه لأن تكون هذه السنة التي سيتحقق فيها السلام في اليمن.
ونبّهت إلى الكثير من المؤشرات التي تحيل إلى تعقيد كبير في مسار السلام المتعثر سواء من قبل مجيئ غريفيث أو من بعد تولي مهمته الأممية قبل عامين، وأوضحت أنه منذ أن أوكلت إليه المهمة الأممية في مارس 2018، قام بالعديد من الجولات المكوكية بين صنعاء والرياض وعواصم خليجية أخرى وعربية في سياق السعي الأممي المسنود بضغط غربي وبريطاني على وجه التحديد، غير أن كل ما تحقق لا يعدو عن كونه خطوات هائمة حتى الآن في محيط الجدار الصلب للأزمة اليمنية.
وبعد أن باشر جريفيث مهمته كان صرح بأنه لا ينوي أن يبدأ من الصفر وأنه سيبني على ما قطعه سلفه إسماعيل أحمد ولد الشيخ من جهود كادت أن تتوج باتفاق تاريخي في الكويت لولا تعنت المليشيات الحوثية التي رأت أنّ مثل هذا الاتفاق سيسلبهم أهم مصادر قوتهم وهو ترسانة الأسلحة الضخمة.
وبحسب الصحيفة، يبدو أنّ المبعوث الأممي راهن كثيرًا على التوطئة لمسار الحل النهائي الذي يصبو إليه بإنجاز ما وصفه بـ"خطوات بناء الثقة" أولًا، غير أنّ تحقق ذلك بعد مرور عامين أثبت أنه محض سراب أيضًا، لجهة عدم التنفيذ الفعلي لاتفاقية السويد التي كان يفترض بها ترسيخ هذه الثقة.
وفي حين كان يفترض أن تؤدي خطوات بناء الثقة هذه إلى بناء أساس قوي للانطلاق منه نحو عقد مشاورات شاملة لبحث ملفات الجوانب الأمنية والسياسية والعسكرية وصولًا إلى تحقيق اتفاق السلام، أصبحت في حد ذاتها عقبة سياسية.
وفي الوقت الذي يحاول فيه المبعوث الأممي الآن تجاوز اتفاقية السويد والمضي قدمًا إلى مشاورات جديدة تتناول الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية، يبدو أنه يحاول الاستفادة من أطروحات وتصورات المجموعات اليمنية المستقلة أو غير المنخرطة مباشرة في الصراع، كما هو الحال في الاجتماع الأخير الذي دعا إليه في عمان على مدى يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
وكان جريفيث قد صرّح خلال اجتماعه بمجموعة متنوعة من الشخصيات العامة والسياسية في عمان، بأنّه لا بديل عن الحل التفاوضي، وأنّ اليمن في مفترق طرق، مشددًا على ضرورة تقديم تنازلات من الجميع وضبط النفس على الصعيد العسكري.
وقال إنّ الاجتماع التشاوري هدفه التفكير في خطوات جادة للانتقال نحو عملية سياسية وبحث القضايا المرتبطة بالنزاع في اليمن، وأضاف: "اليمن موجود الآن على مفترق طرق.. إما الاتفاق على آلية شاملة لخفض التصعيد واستئناف العملية السياسية، أو الدخول في مرحلة جديدة من تصعيد أكبر وما يترتب عليه من ارتفاع عدد الضحايا وتعثر الوصول إلى طاولة المفاوضات".
ولفت جريفيث إلى عدم وجود بديل للحل التفاوضي قائلًا: "على الجميع تقديم التنازلات، لا يمكننا الانتظار لفترة أطول، فقد تسبب الصراع بسقوط الكثير من الضحايا وهو ما يهدد بانهيار الدولة وتفكيك النسيج الاجتماعي".
وأضاف: "على الرغم من القتال المستمر، لا يزال الطرفان يعملان بشكل بنّاء للغاية. ومن أجل البناء على هذه المكاسب وتوطيدها، نحتاج إلى ترتيب حقيقي لخفض التصعيد يشمل الجميع لضمان ضبط النفس على الصعيد العسكري".
وأعرب المبعوث الأممي عن قلقه العميق إزاء التصعيد في شرق صنعاء الذي قد يهدد التقدم المحرَز في الحديدة، على حدّ تعبيره.
وأوضح جريفيث الحاجة الماسة إلى المضي قدمًا في تنفيذ اتفاق السويد وكذا اتفاق الرياض بشكل واضح، لكن لا يمكن ولا ينبغي تنفيذ هذه الاتفاقيات بمعزل عن الجهود الأوسع لإنهاء النزاع.
تصريحات جريفيث تؤكّد أهمية المسار السياسي لحل الأزمة الراهنة في اليمن، إلا أنّ هذه الاستراتيجية الأممية ستظل منقوصة من الإجراءات التي تُلزم المليشيات الحوثية بإتباع مسار السلام، والعمل على إيقاف الحرب على الفور.
يُستدل على ذلك، بالنظر إلى اتفاق السويد الذي تمّ التوصُّل إليه في ديسمبر 2018، وقد نُظر إليه بأنّه خطوة أولى على مسار الحل السياسي، إلا أنّ الخروقات والانتهاكات الحوثية بدّدت هذه الآمال، وأفشلت سبل التوصّل إلى حل سياسي شامل يوقف الحرب.
وأصبح من الضروري على الأمم المتحدة أن تلزم المليشيات الحوثية بأن تنخرط في طريق السلام، لا سيّما أنّ إطالة أمد الحرب أمرٌ يضاعف من المأساة الإنسانية.