صراع اليمن المعقد.. قراءة في أطر الحل السياسي القائمة
فرض تفشي جائحة كورونا ضرورة ملحة لوقف الحرب في اليمن، لكنّ الصراع يبدو معقدًا والخلافات تبدو عميقة إلى النحو الذي يحل الصراع عبر إطار سياسي.
مجموعة الأزمات الدولية ركزّت على ذلك، وقالت في تقرير حديث لها، إنّ تفشي كورونا بعث طاقةً جديدةً في الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية التي تحولت إلى حرب إقليمية، والتي دخلت عامها السادس، لكنّ الأطراف تبقى معارضة بعناد للتوصل إلى تسوية، كما أن إطار وساطة الأمم المتحدة بين فريقين لم يعد يوفر مسارًا واقعيًّا نحو تحقيق السلام بالنظر إلى التشظي السياسي والعسكري.
الحاجة إلى منح الحرب استراحة كانت ضرورة ملحة، لا سيّما أنّ الأرقام توثّق حالة إنسانية مأساوية يعيشها السكان، فبحسب تقرير أحدث الإحصاءات أدت الحرب إلى مقتل أكثر من 112 ألف شخص بالإضافة إلى 24 مليون نسمة بحاجة لشكل من أشكال المساعدات الإنسانية.
هذا الوضع الملتهب تزيده الجائحة لهيبًا، فيمكن أن يفتك تفشي الفيروس بالسكان الذين يفتقرون إلى الوصول إلى الرعاية الصحية والذين أصبحوا أكثر هشاشة بسبب سوء التغذية.
أطراف الصراع في اليمن وفق التقرير تواجه خيارًا صارخًا، فإمّا القبول بوقف إطلاق النار وتسوية سياسية غير مثالية، وبخاصةً في ضوء المخاوف من تفاقم تفشي جائحة كوفيد-19، أو الاستمرار في حرب ستتسبب بالمزيد من المعاناة الإنسانية دون أن يكون بوسع أي فريق تحقيق نصر عسكري واضح.
ويمكن القول إنّ الوضع الآن قد خرج عن السيطرة، ففي السابق كان من الممكن وفق المنظمة الدولية، أن يتم التوصّل لتسوية سياسية بين حكومة الشرعية والحوثيين، على نحوٍ ينهي الحرب وفقًا لانتقال سياسي، لكنّ المنظمة الدولية تقول إنّ التحولات التي حدثت على التوازن العسكري، والتشظي السياسي والمناطقي، والتدخل الإقليمي ثقيل الوطأة غيّر متطلبات صنع السلام.
ويرى التقرير أنّ هناك حاجة لتسوية متعددة الأطراف بوساطة من الأمم المتحدة، إضافة إلى ترتيبات حكم مؤقتة تتحاشى التحول السريع إلى إعادة تركيز السلطة في صنعاء لصالح فريق أو فريقين وحسب.
يُحدّد التقرير عوائق التوصّل إلى تسوية سياسية، وهو المقاربة الدولية لم تعد صالحة لإنهاء الحرب، حيث تعتقد حكومة الشرعية - وفق التقرير - أنّ أي اتفاق ينبغي أن يبنى على الأسس التي نص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي صدر في أبريل 2015 والذي تفسره على أنه شكل من أشكال الدعوة القانونية للحوثيين للاستسلام، وتسليم الأسلحة الثقيلة والسماح للحكومة بالعودة إلى حكم اليمن من صنعاء.
وبحسب المصدر ذاته، فإنّ المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة في الكويت في عام 2016 أنتجت مسودة اتفاق يستند إلى القرار 2216 أصبحت إطارًا للمفاوضات التالية، وكان من شأن الاتفاق أن يفضي إلى ترتيبات لتقاسم السلطة تعطي دور الأقلية للحوثيين في الحكومة وتمهد الطريق لإجراء انتخابات.
الواقع الآن يشير إلى غير ذلك، فالمليشيات الحوثية عزّزت من سيطرتها على الشمال بعد تآمر مفضوح من قِبل المليشيات الإخوانية التابعة لحكومة الشرعية، ليس هذا فحسب بل يرى التقرير أيضًا أنّ الحوثيين اكتسبوا ثقة متزايدة بإحكام قبضتهم على السلطة في صنعاء ويريدون الآن اتفاقاً يتجاوز حكومة الشرعية ويعترف بالوقائع القائمة على الأرض، والتي يعتقدون أنها لصالح حكمهم، وإدراكاً منها لضعف موقفها على الأرض، تمسكت الحكومة بوضعها القانوني وباتت أكثر مقاومة لأي اتفاق قد يمنح خصومها الشرعية.
يُحدّد التقرير مسارًا للتوافق والحل السياسي، وهذا يتطلب إقناع الأطراف أن من مصلحتها التخلي عن مطالبها القصوى، والتوازن العسكري يميل لصالح الحوثيين، لكن ليس إلى الحد الذي قد يظنونه، ويبدو أنهم يعتقدون أنهم يستطيعون التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب مباشرة مع التحالف، لكنهم يقاتلون جملة واسعة من الخصوم الذين من غير المرجح أن يقبلوا بتسوية لا تحمي مصالحهم الرئيسية أو يلتزموا بتسوية ببساطة لأن الرياض تطلب منهم ذلك، وفق المجموعة الدولية.
ومع بلوغ الوضع الآن حدًا شديد التعقيد، فيستبعد التقرير حدوث نصر عسكري واضح، بما في ذلك الحوثيين، كما أنّه على الحوثيين القبول بأنّ اتفاقًا تتوسّط فيه الأمم المتحدة لن يؤدي ببساطة إلى نقل السلطة إليهم وتحويل الوقائع على الأرض إلى اعتراف دولي بحكمهم.
في الوقت نفسه، يقول التقرير أيضًا إنّ مطالب حكومة الشرعية بالعودة إلى السلطة في صنعاء من خلال استسلام الحوثيين أمر غير واقعي، ما يعني أنّ هذا الأمر ليس شرطا للتوصل إلى تسوية سياسية.
يضيف التقرير بعدًا آخر للحل الناجع، وهو أنّ التشظي السياسي والمناطقي يتطلب إعادة النظر في إطار التفاوض وفي فحوى أي اتفاق يمكن التوصل إليه، ويقول إنّ ثمة إجماع دولي ومحلي متزايد على أنّ التسوية التي حاولت الأمم المتحدة التوصل إليها بين طرفين على مدى الحرب من غير المرجح أن تترجم إلى سلام دائم.
يتفق التقرير أيضًا مع أنّ المجلس الانتقالي طرف رئيسٌ وفاعل في المعادلة، وبالتالي يتوجّب إشراكه في محاولات التسوية السياسية، وذلك بالنظر إلى قوة الجنوب الفاعلة.
وعملًا على التوصّل إلى حل مستقيم، فأصبح لزامًا - وفق التقرير - على مكونات أي اتفاق أن تعالج الوقائع الجديدة وأن تقر بأخطاء الماضي، ويقول التقرير: "المجموعات المحلية تثمن الاستقلال الذي اكتسبته على مدى الحرب وستقاوم الاندفاع إلى إعادة السلطة المركزية للدولة إلى صنعاء.. إن عدم معالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية التي أشعلت الانتفاضة الشعبية في اليمن في عام 2011 وأسهمت في صعود الحوثيين سيؤدي إلى عدم الاستقرار والحرب في المستقبل".
يوجّه التقرير تحذيرًا مهمًا للشرعية، قائلًا إنّ الحكومة قد تشعر بإغراء الانتظار إلى أن يحدث تحول حاسم لصالحها، لكن بمقاومة المفاوضات، فإنّها تخاطر بتردي موقفها أكثر على الأرض وبأن تصنف من قبل القوى الخارجية التي تعتمد عليها في مكانتها بوصفها السلطة المعترف بها على أنها مفسدة للاتفاقات.