سقوط مدوي للجنيه السوداني أمام الدولار

السبت 12 سبتمبر 2020 18:58:00
 سقوط مدوي للجنيه السوداني أمام الدولار

شهد الجنيه السوداني، سقوطاً مدوياً في مواجهة الدولار الأميركي، بعد أن أصابته حمى جراء ‏التداعيات السلبية لجائحة كورونا تارة، والفيضانات المدمرة تارة أخرى، وبينهما حالة من عدم ‏الاستقرار السياسي، تصلبت مع العوامل الثلاثة مجتمعة شرايين الاقتصاد السوداني‎.‎

و قفز سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الجنيه السوداني، مساء الأربعاء الماضي 9 سبتمبر ‏‏(أيلول) الحالي، مسجلاً رقماً قياسياً تاريخياً غير مسبوق في تعاملات السوق الموازية غير ‏الرسمية (السوداء)، بزيادة 30 جنيهاً (نحو 0.54 دولار أميركي) في يوم واحد‏‎.‎

وفي ذات السياق قالت وكالة الأنباء السودانية، إن الدولار بقي مثبتاً على شاشة بنك السودان ‏المركزي، عند 55 جنيهاً (نحو 0.99 دولار أميركي) للشراء و55.27 جنيه (نحو واحد دولار ‏أميركي) للبيع. أما في السوق السوداء، فقفز الدولار مسجلاً 250 جنيهاً (نحو 4.52 دولار ‏أميركي)، مقابل 220 جنيهاً (نحو 3.98 دولار أميركي) اليوم السابق، بزيادة 30 جنيهاً (نحو ‏‏0.54 دولار أميركي) في نحو 24 ساعة، بحسب الوكالة أيضاً‎.‎

وأوضحت الوكالة أن أسواق الصرف الموازية تشهد حالة من الفوضى، وسط تزايد الطلب على ‏الدولار من ناحية، وشح كبير في المعروض من ناحية أخرى. وأشار متعاملون في السوق، إلى ‏أن كبار تجار العملة يرفضون تزويد السوق بأي دولار، ويمتنعون عن التداول انتظاراً لقفزة ‏أكبر في سعر العملة الخضراء. وتابعت أن، هناك مضاربات كبيرة تجري في أسواق العملات، ‏وسط قيام جهات مجهولة بشراء كميات كبيرة من الدولار ثم التحفظ عليه وعدم طرحه للتداول، ‏وقال متعاملون إنه لا سقف يتوقع حالياً لمدى صعود الدولار، وإن كل الاحتمالات مفتوحة لمزيد ‏من الصعود القياسي‎.‎

التضخم يسجل 136 في المئة

في يونيو (حزيران) الماضي أعلنت وزارة المالية السودانية ارتفاع معدلات التضخم السنوي ‏بنحو مئة في المئة، عندما سجل 136 في المئة، مما سبب عجزاً في إمدادات الكهرباء والخبز ‏والوقود والأدوية، في حين سجل حجم الدين العام في السودان ما يزيد على 60 مليار دولار‎.‎

من جهته قال، طه حسين متخصص في شؤون الاقتصاد السوداني، إن "العملة المحلية السودانية ‏في موقف صعب وحرج". وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن حجم المعروض من النقود في جسد ‏الاقتصاد السوداني غير مسبوق‎.‎

توسع في الطباعة بشكل غير مدروس

في هذا السياق أوضح حسين، أن هذا نتيجة توسع البنك المركزي السوداني في طباعة النقود، ‏بشكل غير مدروس اقتصادياً، علاوة على عدم توفر غطاء الذهب اللازم لطبع هذا الكم الهائل ‏من السيولة في السوق، مما أضعف الجنيه السوداني بشكل غير مسبوق في مقابل الدولار ‏الأميركي‎.‎

وفي ذات الصدد قال، إن حجم الزيادة في قيمة المعروض من النقود في الاقتصاد السوداني بلغ ‏‏149 مليار جنيه (نحو 2.7 مليار دولار أميركي) ضُخت في الـ6 أشهر الأولى من العام الحالي، ‏وهذا رقم ضخم مقارنة بالموجود في موازنة العام المالي الحالي 2020 عندما توقعت الدولة ‏الاستدانة من البنك المركزي السوداني نحو 60 مليار جنيه (نحو 1.08 مليار دولار أميركي)، ‏وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف القيمة المطلوب ضخها في الاقتصاد السوداني لعام كامل‎.‎

وتابع أن التوسع في طباعة النقود بهذا الشكل أثر تأثيراً سلبياً على الاقتصاد السوداني، خصوصاً ‏أن حجم السيولة أو حجم الكاش لدى المواطنين خارج الجهاز المصرفي السوداني يمثل 75 في ‏المئة، وهنا مكمن الخطورة . لافتاً إلى أن حجم النقود الزائدة لدى الجمهور خارج الجهاز ‏المصرفي في الفترة من يناير وحتى 30 يونيو (حزيران) الماضي بلغت 63 مليار جنيه سوداني ‏‏(نحو 1.1 مليار دولار أميركي) وهذا ما أثر كثيراً في الاقتصاد الموازي، خصوصاً أن الاقتصاد ‏الموازي أو غير الرسمي يمثل أكثر من 90 في المئة من حجم الاقتصاد السوداني‎.‎

ارتفاع سعر الذهب بقيمة 14 ألف جنيه (253 دولاراً) للغرام

وأرجع ذلك إلى أن حركة النقود خارج الجهاز المصرفي بلغت نحو 20 مليار دولار، وهذا ما ‏أسهم في تنشيط تجارة العملة وأسواق الذهب‎.‎

وأشار إلى أن حركة الذهب التقليدي الذي يباع في مركز الخرطوم للذهب وهو ما يطلق عليه ‏‏(عمارة الذهب) ارتفع حجم غرام الذهب بقيمة 14 ألف جنيه (253 دولاراً أميركياً) في الغرام ‏الواحد، وهو ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 120 في المئة خلال الـ6 أشهر الأولى من العام الحالي فقط‎.‎

السوق أصبح "مدولراً‎"‎

في هذا الشأن يوضح، أن هذا مؤشر على حركة النقود، وهذا ما أثر على السوق بشكل عام حين ‏أصبح السوق تحت رحمة الدولار (مدولراً) يعتمد على الدولار، وهذا ينطبق على السلع الأساسية ‏والسلع الكمالية، وهو ما أثر سلباً على الأسواق والمواطن والصناعة، مما أجبر عدداً كبيراً من ‏المصانع على وقف التصنيع والبيع‎.‎

وحول ارتفاع الأسعار متأثرة بالتضخم، توقع تضاعف الأسعار بنحو 200 في المئة مع خفض ‏القيمة الرسمية للجنيه مقابل الدولار، مما سيرفع تكاليف كل الواردات بما تضمه من مدخلات ‏إنتاج، ومن ثم ارتفاع الأسعار والخدمات قائلاً "أسعار المواصلات والانتقالات للفرد الواحد قد ‏ترتفع إلى 1000 جنيه (نحو 18 دولاراً أميركياً) وطبق البيض إلى 700 جنيه (12.6 دولار ‏أميركي‎)".‎

أوضح أن الزيادة الأخيرة في الأجور بنسبة 500 في المئة غير مدروسة، إذ لم تكن تعتمد على ‏زيادة معدلات الإنتاج، ولكن كانت تعتمد بشكل أساسي على التوسع في طباعة النقود، وهو ما ‏أثر على الأجور، خصوصاً أن الموظفين في القطاع العام السوداني يمثلون 80 في المئة، بينما ‏يمثل القطاع الخاص نحو 20 في المئة، مما أسهم في تذمر في القطاع الخاص، وأسهم في زيادة ‏أعداد المتعطلين عن العمل‎.‎

ضبط الأسواق وتغير العملة الحالية لكشف الأموال المزيفة

بهذا الخصوص، طالب بضبط السوق خصوصاً أن السلع الأساسية في السوق السوداني أصبحت ‏من الكماليات ولم يعد هناك فارق بين السلع الأساسية والكماليات بسبب التضخم، نظراً لارتفاع ‏أسعارها بشكل مبالغ فيه بسبب التضخم أصبح كل سوداني مليونيراً، حتى وهو لا يملك مصاريفه ‏الشهرية أو قوت شهره فقط، لكنه يستطيع أن يشتري سيارة بمليون جنيه سوداني إلى جانب ‏تغيير العملة السودانية الحالية لكشف العملات المزيفة في الأسواق وجمعها‎.‎

ارتفاع أسعار الدولار في غاية الخطورة

من ناحيتها، قالت نهى أوشي المتخصصة في الاقتصاد السوداني، إن تصاعد أسعار العملات ‏الأجنبية، خصوصاً الدولار مقابل الجنيه السوداني أمر غاية في الخطورة على الاستقرار ‏الاقتصادي وعلى أسواق السلع‎.‎

وأضافت لـ"اندبندنت عربية" أن استمرار الأمر على هذا النحو يؤثر سلباً على معيشة المواطن. ‏وفي هذا السياق، أشارت إلى أن هذا الارتفاع غير المبرر لعدم وجود أسباب اقتصادية منطقية ‏يعتبر معولاً لهدم أي برامج تنموية أو خطط مستقبلية أو حتى نية لإحداث استقرار اقتصادي. ‏وأوضحت أن السلع الإستراتيجية ومدخلات الإنتاج تتصاعد أسعارها بشكل مخيف مع كل ‏ارتفاع جديد في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار‎.‎

دعم الإنتاج الحقيقي

أما بخصوص الحلول، فطالبت القائمين على أمر الاقتصاد السوداني، للحد من هذا الارتفاع، ‏بدعم التوجه نحو الإنتاج الحقيقي والذي بمقدوره إنعاش الاقتصاد من خلال توفير نقد أجنبي ‏لخزينة الدولة، خصوصاً من خلال القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، إذ إن السودان بلد ‏زراعي ويمتلك ثروة حيوانية كبيرة وموارد ضخمة، هذا إضافة إلى الثروات المستقبلية في ‏قطاعات النفط والمعادن والطاقة الشمسية، وكذلك لا تزال السياحة بكراً في السودان‎.‎

في هذا الشأن، أشارت إلى وجود مزارات سياحية تحتاج إلي التطوير والتجهيز فقط للمقاصد ‏السياحية في الولاية الشمالية، وما تضمه من حياة برية ورحلات السفاري والمنتجعات بمنطقة ‏البجراوية والدفوفة علاوة على حظيرة الدندر مدينة كرمة‎.‎

هيكلة القطاع المصرفي

من طرف آخر، دعا المتخصص في شؤون المصارف لؤي عبد المنعم إلى هيكلة القطاع ‏المصرفي وتعزيز السيولة المصرفية بالاستفادة من الميزة النسبية التي يتمتع بها السودان في ‏إنتاج الذهب، وضرورة وضع سياسة جيدة للتعامل مع المغتربين لجذب مدخراتهم‎.‎

وطالب في تصريح لوكالة أنباء السودان (سونا)، بهيكلة ديوان الضرائب وتعزيز الإيرادات دون ‏فرض مزيد من الضرائب مع إعادة هيكلة الدعم الحكومي على ضوء الزيادة في المرتبات ‏وتوسيع مظلة الدعم المباشر للأسر الفقيرة‎.‎

ووجه لؤي رسالة إلى المؤتمر الاقتصادي القومي الأول الذي ينعقد أواخر سبتمبر (أيلول) الحالي ‏بطرح مقترحه الخاص حول الجنيه الذهبي الادخاري المحصور التداول داخل المصارف كمنتج ‏لتعزيز السيولة المصرفية والحد من المضاربة على الدولار خارج الحاجة إلى الاستيراد‎.‎

قبل 24 ساعة احتلت السودان المركز الأول في قائمة الدول الأكثر ديوناً في العالم، عندما ‏سجلت ديون الخرطوم نحو 295 في المئة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بتفاقم ‏النسبة قبل نهاية العام الحالي، وفقاً لمجلة فوربس العالمية، وجاءت السودان على رأس قائمة ‏ضمت 5 دول بعد السودان هي "اليابان ثم اليونان ثم لبنان، وأخيراً إريتريا".‏