«محور الشر».. وظهور بندر بن سلطان


انشغل محور ما يسمى بـ«الممانعة» أو «المقاومة» بسؤال: لماذا اختار الأمير بندر بن سلطان الإدلاء بشهادته التاريخية في هذا التوقيت، وهو تساؤل لتبرير الهروب من الواقعية السياسية التي فرضت هذا التوقيت؟ فالتحولات الجيوسياسية لا تقبل التأخير، ولقد تحمل محور الاعتدال العربي المتغيرات الكبرى في العقد الأخير، الذي أظهر بجلاء مهددات الأمن والاستقرار على دول وشعوب الجزيرة العربية.
قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بعقد اتفاقية السلام مع إسرائيل، يظل منطق الواقعية السياسية الذي يحتم هذا التوجه الذي ذهبت إليه أبوظبي بشجاعة، وسيلتحق بها الآخرون ليس لأن أحداً سيخضع لضغط من القوى الدولية التقليدية، بمقدار ضغط الواقع الذي تشكل عبر محور جمع إيران وتركيا والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة في منهحها.

التهديدات الأمنية على محور الاعتدال العربي لم تعد تسمح بتأجيل الحلول في مواجهة محور كشف أدواته وأهدافه المتمثلة باستهداف الدول الوطنية في محور الاعتدال، وإذا كانت السعودية والإمارات ومصر والبحرين ككتلة استطاعت تجاوز مرحلة «الربيع العربي»، وتحملت الأضرار السياسية والاقتصادية والاجتماعية الباهظة، فإن الخطر لم ينته، بل ظل في تزايد مع تغذية المحور التركي- الإيراني لجماعات «الإسلام السياسي»، حتى انتجت تنظيم «داعش» وإقامة دولة على أنقاض دول عربية هدمت بمعاول الأتراك والإيرانيين.

من المهم في هذا السياق النظر إلى الخارطة، ففيما أنشئوا «داعش» في شمال الجزيرة العربية، أنشأوا دولة «الحوثي» في جنوب جزيرة العرب، بهذه النظرة تظهر واحدة من أكثر مخاطر المهددات الأمنية على الإطلاق، وتظهر حقيقة الخطر على هذه المنطقة، خاصة أن الوثائق التي كشفتها الاستخبارات الأميركية ونشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، أكدت أنه بعد سقوط حكم «الإخوان» في مصر انعقد اجتماع استخباراتي تركي -إيراني بحضور شخصيات «إخوانية» وضعت استراتيجية أن يكون اليمن منصة تهديد أمني لجنوب السعودية تحت حكم «الإخوان» أو «الحوثي».

ومنذ عام 2014 واليمن يلعب دور المهدد للسعودية التي شاركت بدورها في التحالف الدولي، وأسقطت خرافة دولة «داعش»، هذه الأحداث وقعت فيما لا يزال محور «تركيا إيران» يكيد المكائد ويحاول عبر عدة دول متأزمة استنزاف محور الاعتدال العربي، كما يحدث من أزمات في لبنان والعراق وليبيا بشكل مستمر بهدف الاستنزاف السياسي والاقتصادي للمنطقة، هذه الأزمات تستهلك من الطاقات والموارد، وتعطل التنمية مع أزمات دولية متصاعدة اقتصادياً تضع أمام دول الاعتدال خيارات محددة، إما أمن واستقرار شعوبها، أو مواصلة معركة الاستنزاف التي حددها المحور الآخر كاستراتيجية. 

هنا فقط تظهر الأهمية في ظهور شهادة الأمير بندر بن سلطان حول القيادة الفلسطينية، التي تعاملت بإسفاف مع الخطوة الإماراتية والبحربنية بعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل تمنح الجانب الفلسطيني مكسباً يتمثل في وقف ضم إسرائيل لما تبقى من الضفة الغربية، ويبقي على «حل الدولتين» كفرصة للخروج من أطول أزمة في التاريخ الحديث، موقف السلطة الفلسطينية المتحالف مع محور إيران وتركيا كان فاصلاً، وعليه كان لا بد وأن تكشف حقيقة ابتزاز الفصائل الفلسطينية للدول العربية، عبر استهلاك الوقت وتضييع فرص الحلول السياسية.

لا يوجد وقت أمام قيادات دول محور الاعتدال تهدره في تعطيل خطط التنمية والاتجاه بشعوب هذه الدول لمستقبل لا يمكن للشعارات الوهمية أن تكون ذات قيمة، فالعالم أمام تحديات مختلفة، وأمام هذه القيادات مسؤولية نحو شعوبها، بتوظيف الطاقات والإمكانيات، لتكريس الجهود لبنية تحتية معرفية، وتهيئة إنسان هذه الدول لدخول عقود مختلفة عما مضى سيكون فيها الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والصناعات التقنية، والتحديات الأمنية لدول الاعتدال تفرض هذه السياسة من أجل وقف النزف الاقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى حماية الرصيد الأخلاقي والتاريخي، الذي قدمه قادة السعودية ومصر والإمارات والبحرين للقضية الفلسطينية، فهذا رصيد لا يجب الانتقاص منه واستنزافه تحت شعارات وهمية وقيادات ارتضت الارتماء في براثن «محور الشر».