اليمن.. أبريل 2016!
هاني مسهور
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
- تل أبيب بعد أرامكو.. الحوثي على رقعة الشطرنج
أنتوني بلينكن وزيراً للخارجية الأميركية هذا ليس عنواناً عريضاً للصحافة، بل اسم مهم في ملفات الشرق الأوسط بكافة ما فيها من تعريفات وتشعبات. فلقد كان نائبًا لمستشار الأمن القومي بين عامي 2013 و2015 في عهد إدارة باراك أوباما ثم نائباً لوزير الخارجية في عهد إدارة دونالد ترامب، وأحد مهندسي الاتفاق النووي مع إيران، ويمنياً مهندس الحل السياسي الذي قدمه وزير الخارجية السابق جون كيري بما سمي آنذاك «أفكار كيري»، التي اغتالها الرئيس عبدربه منصور هادي بقرارات أسقطت خالد بحاح من منصبي نائب الرئيس ورئيس الحكومة المعترف بها دولياً وتنصيب علي محسن الأحمر في الهيكل السياسي لتعطيل الحل الأميركي المقترح والمتوافق عليه في عملية إجهاض سياسية مكنت تنظيم «الإخوان» من السيطرة الكاملة على المفاصل السياسية والاقتصادية والعسكرية في اليمن.
كانت مقاربة الحل السياسي تراعي المرجعيات الأساسية في الأزمة اليمنية، وهي المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن الدولي 2216 لذلك تضمنت المقاربة ضمان المحافظة على الانتقال القانوني للسلطة السياسية بنقل صلاحيات الرئيس إلى نائبه وتشكيل هيئة عسكرية تشرف على وقف إطلاق النار، وجمع السلاح من طرفي الحرب، لعبت الدبلوماسية دوراً ضاغطاً نجحت معه في توفير التوافقات السياسية لتمرير الحل كفرصة ممكنة توافرت مع جهود المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد ومع الترتيبات الأخيرة للصفقة التي كانت يمكن أن تؤسس- على الأقل- لحل سياسي يضمن الخروج من نفق الحرب اليمنية.. انتهى كل شيء بقرارات أنهت كل شيء ووفرت مناخاُ مواتياً لاستدامة الفوضى.
المشهد اليمني لم يعد هو ذلك في ما كان عليه في 3 أبريل 2016. فالتفاعلات الداخلية خلقت قوى سياسية فرضت نفسها برغم التعقيدات المتأصلة: تصفية الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتشكل قوات حراس الجمهورية وصعود «المجلس الانتقالي الجنوبي» واتفاق ستوكهولم وتصنيف ميليشيات «الحوثي» كمنظمة إرهابية - أميركياً - واتفاق الرياض، والتدخل الاستخباراتي التركي.. كلها مجرد تفاعلات انتجها قرار الرئيس هادي بإشراك «الإخوان» في السلطة السياسية.
التشعبات اليمنية تشكل بحد ذاتها معضلة حتى وإن توافق الإقليم على حلول للملفات الكبرى، سيظل اليمن أكثر غرقاً في تفاصيل التفاصيل التي من الصعب جداً توفير توافقات لها لعمق الصراعات التاريخية، ولأن اليمن شماله وجنوبه يعيش مرحلة انكشاف غير مسبوقة مع صراعاته ونزاعاته الأثنية على امتدادات تاريخية بعيدة عمقتها قرارات سياسية خاطئة، أوغلت في تمزيق الأنسجة السياسية والاجتماعية وأوصلت المجتمع إلى الحدود الدنيا من انعدام الأمن الاقتصادي، بغطاء غير دستوري بعد طعن المبادرة الخليجية وتفريغها من مضمونها السياسي لتحقيق مكاسب ذاتية وتثبيت مشروع الإسلام السياسي في جنوب الجزيرة العربية.
الأميركيون لطالما تعاملوا مع اليمن من زواياهم المحددة فالجنوب كان بالنسبة لهم امتداد للنفوذ السوفييتي الذي تداعى مع سقوط جدار برلين واليمن بكتلته البشرية وبما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ظل جغرافية تسيطر عليه طائرات الدرون الأميركية التي تصطاد عناصر قيادات تنظيم «القاعدة» الإرهابي بما توفره أجهزة الاستخبارات المحلية والدولية النشطة في بلد متعدد الولاءات، تجد فيه الأجهزة الاستخباراتية كل الظروف المواتية ليس لمجرد الحصول على معلومات منه بل أبعد من ذلك كتمرير الأسلحة والمخدرات وتجارة البشر، لذلك كانت وستظل اليمن الجغرافية المفضلة لبعض اللاعبين الدوليين والإقليميين تماماً كما هي أفغانستان في وسط آسيا.
يعود «أنتوني بليكن»، وقد تغير مشهد اليمن كلياً ولم تعد أفكار أبريل 2016 ممكنة لتغير التوازنات على الأرض، وإنْ ظلت الفرصة الممكنة تتعلق فقط بمقدار ما تنجح مقاربة إدارة بايدن في معالجة الملف الإيراني لوقف الحرب في اليمن، ثم النظر في العودة لما يجب العودة إليه بإسقاط كافة القرارات التي استهدفت المبادرة الخليجية، وعملت على تفريغها من محتواها لضمان نقل السلطة السياسية، وإعادة العمل بالدستور الذي أدى تعطيله لعبث وفوضى لا يمكن معالجتهما في المنظور المتوسط.