مسبار الأمل.. نجاج إماراتي
هاني مسهور
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
- تل أبيب بعد أرامكو.. الحوثي على رقعة الشطرنج
أسجل اعترافاً بأني احتجت لكثير من الوقت لاستيعاب حديث معالي وزيرة الدولة للتكنولوجيا المتقدمة سارة الأميري في دولة الإمارات العربية المتحدة حول المعادلات الرياضية والفيزيائية التي تطلبها صناعة وتجهيز «مسبار الأمل»، والكيفية العلمية لإطلاقه ومتابعته من مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي حتى يصل لمداره إلى وصول المسبار لكوكب المريخ كمحطة نهائية بعدها سيقوم بإرسال المعلومات والبيانات لدراستها وتحليلها في وكالة الإمارات للفضاء، وستكون المعلومات متاحة للعديد من المراكز العلمية المرتبطة باتفاقيات مع وكالة الفضاء الإماراتية.
نحن جيل التلفزيون بالأبيض والأسود الذين كنا نتسمر أمام الشاشة نشاهد بانبهار التسابق بين الأميركيين والسوفييت آنذاك بإطلاقهم الصواريخ للوصول إلى القمر، ولطالما كنا نشعر بطول المسافات بيننا وبين المتسابقين في الفضاء، تلك حقبة من التاريخ لم يعرفها كثيرون وكثيرات ممن يصنعون اليوم حاضر الإمارات والشرق الأوسط، فهذا الحاضر لا يشابه تلك الأيام الأولى التي كان فيها جهدٌ يُبذل لدفع الناس للتعليم ومكافحة الأمية، فلقد كان المجتمع ينتقل من مرحلة إلى أخرى، فهذا النسيج الممتد على مساحة شبه الجزيرة العربية، كان للتو بدأ يُريح الإبل، ويركب السيارات، التي كانت بالنسبة لذلك الجيل اختراعاً مبهراً.
بيئة صحراوية صعبة عاش فيها الإنسان البدوي وتكيف معها حتى مع أمواج الخليج التي كان عليه أن يتعايش مع طبائعها وسخونتها وتشكلات هذا الشرق الأوسط وتحدياته. البدوي الغواص عاش سنوات قاسية في صناعة أوطانه ورسم أحلامه على الضفة العربية من الخليج حاملاً مواريثه وتقاليده التي تتشبث بمواجهة الحياة وقساوتها فمن هذه الصحاري خرجت ثقافة الإصرار على النجاح بامتداد التاريخ البشري، لذلك كان مؤسس الإمارات، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - شخصية اختزلت طبيعة الإنسان العربي بكل ما فيه من خصال ذاتية صنعت القائد السياسي الذي حقق معجزة في بلاد العرب وتركها لأبنائه كوديعة يبذلون من أجلها جهدهم بسخاء لتبقى بلداً تنويرياً مشعاً.
الحياة في القرن الحادي والعشرين ليست كما سبق من قرون، فالتحديات صعبة، وتتطلب استعدادات وتجهيزات هي ما تبذله حكومة الإمارات في البنية التحتية التي لم تعد بناء المدارس وتعبيد الطرقات فقط، بل باتت بناء أرضية تقنية ذات جودة عالية لاستيعاب متطلبات الحياة المقبلة المعتمدة على المعرفة والذكاء الاصطناعي، مما يعني أن الخوارزميات هي العلوم التي ستكون جزءًا من حياة البشر، ما يتطلب شكلاً مختلفاً من التحولات المجتمعية التي أيضاً سيكون البدوي الغواص جزءًا منها، بل لأنه مع أبناء زايد في تحدياتهم يحملون ذات العقيدة التي يرددها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يحفظه الله، بأن دولة الإمارات تؤمن بأن عليها تحويل التحديات إلى فرص نجاح ممكنة، وقد يكون هذا سر أسرار القيادة السياسية، لكنها بالنسبة لهذه القيادة كالبذرة التي توضع في قلوب وعقول كل إماراتي وإماراتية تحفيزاُ للذوات ومعرفة بالدور والهدف بتأمين الحياة الصحيحة لأجيال قادمة، ومن أمانة هذا الجيل أن يعمل على تأمينها بالقدر الصحيح تماماً كما تسلم هذا الجيل الإمارات السبع كنموذج سياسي فريد في شرق أوسط متلاطم ومتدافع في حرب وصراعات.
بوصول «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ ستكون الإمارات طوت واحدة من الصفحات لتفتح أخرى وتكتب شيئاً من الأثر القوي في تاريخنا العربي، لن يكون معرض إكسبو سوى حرف واحد ستتلوه حروف أخرى، تتضمن الكثير من التحديات التي ستتحول لفرص نجاح تسجلها الإمارات من خلال تحويل الدولة لمقر مستدام، لعقول البشر الباحثين عن الابتكارات العلمية، التي ستساهم في جودة حياة البشرية، وتظل الإمارات وطناً يشع بالتنوير.. والمدعوم إماراتياً ناجحاً كما كان وسيبقى.