إنها إمارات القرن 21

مع وصول دولة الإمارات العربية المتحدة لأبعد نقطة كونية يصلها العرب، فإن الأهم هو النظر في الخارطة الجغرافية لهذه الدولة، فهي تقع وسط الجغرافيا السياسية الأكثر ازدحاماً بالصراعات التاريخية والحضارية، حيث منطقة الشرق الأوسط، التي تتصادم فيها الحضارات البشرية على مدار قرون. إنها منطقة غارقة في استقطابات سياسية ومذهبية شديدة، وبرغم ذلك استطاعت الإمارات أن تنجز شيئاً مختلفاً عن طبيعة منتجات هذا الشرق الأوسط، بالوصول إلى هذه النقطة الكونية.

نجاح مهمة «مسبار الأمل» تعني أن الإمارات كدولة خرجت تماماً من تصنيف العالم الثالث، وانتقلت لمزاحمة دول أخرى، تعتمد سياسات مختلفة في مقارباتها السياسية والاقتصادية.. دول تعتمد على مقومات المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة وهذه الخطة الوطنية الإماراتية التي راقبها كل من يعيش حولها ومعها منذ سنوات مضت، عملت فيها الدولة على تحديث قوانينها ورسمت استراتيجيات ارتكزت على الاستثمار الرئيسي في الإنسان، بتوظيف كافة العلوم الممكنة في العالم، ليكون الناتج البشري قادراً على إحداث هذا المتغير.

واحدة من النقاط التي يتعين إدراكها في زخم هذا المنجز الحضاري أن الإمارات نجحت في الوصول إلى كوكب المريخ عبر سياسات متوافقة، اعتمدت فيها على مقاربات متوازنة، غير أن العنصر الأهم يبقى في التأهيل البشري عبر منظومة واسعة من المؤهلات التي راعت الانتقال الموضوعي من الدولة البسيطة في تكوينها الاجتماعي والاقتصادي إلى دولة مؤسسية لها منهجها المستقل تماماً اقتصادياً، الذي بذاته تحول في العقد الأخير لافتصاد المعرفة عبر سياسات استقطبت كبرى شركات الإنتاج التقني، وهو ما شكّل جزءاً من إيرادات الموازنة العامة للدولة الإماراتية، مما أكد نجاحاً آخر غير منظور يتمثل في تنويع مصادر الدخل الوطني، وهو ما شكّل قاعدة صحيحة للبنية المعرفية.

العقيدة الوطنية الإماراتية تترجم بنجاح الخطط مهما كانت التحديات صعبة ومعقدة، فالعقيدة الوطنية هي تحويل التحديات لفرص نجاحات ممكنة، وهو ما يفسر تماماً انتقال الإمارات من تصنيف العالم الثالث ومزاحمة دول ما قبل العالم الأول، استطاعت الخطط الأولية لانتقال الدولة لهذه المرحلة مع بقاء ذات التحديات، فالشرق الأوسط مازال وسيبقى على المدى المنظور منطقة الصراع الأكثر اشتداداً ودموية في العالم، مهما كانت محاولات التبريد والتخفيف من وطأة الصراعات المحتدمة، لذلك ستكون المهمة التالية تتطلب سياسات أكثر مرونة وديناميكية على الصعيد الإماراتي، التي أدركت قيادتها هذه النقطة فاتخذت واحداً من أهم القرارات السياسية بعقد اتفاق السلام مع إسرائيل، وهو القرار الذي غيّر توازنات المنطقة بكل تعقيداتها السياسية وتداخلاتها التاريخية.

الإمارات حققت باعتمادها على جيل من الشباب والشابات مبادرات غيّرت صورة المنطقة لدى العالم. فبالنظر إلى هذا الشرق الأوسط لا يمكن الحصول على ما يشابه إنجازات الإمارات خلال نصف قرن من انطلاقها، وإنْ حاول من حاول التقليل، فسيصدم بالوقائع على مختلف الأصعدة، بسبب أن النجاحات تحققت برؤية استثنائية منذ البداية الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، بتوحيد الإمارات السبع برؤية مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

فالتأسيس الاستثنائي تطلب رؤى استثنائية لتحويل التجربة الاتحادية إلى معجزة كبيرة، اليوم تتوج نفسها في القرن الحادي والعشرين كقوة معرفية صاعدة، تدخل منافسات متعددة الأقطاب سيتعين فيها تمكين القوة الصلبة بأعلى الدرجات الممكنة، مع تحديث وبناء التحالفات السياسية التي ستحافظ على مركزية الإمارات الاقتصادية والمعرفية كواحد من التحديات الأكثر من الناحية الاستراتيجية في الخمسة عقود القادمة نحو مئوية الدولة. والفرحة العفوية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في غرفة التحكم الأرضية بعد نجاح «مهمة مسبار الأمل» تعني احتفاء كل مواطن ومقيم ومحب لدولة نجحت في تحويل المستحيل إلى ممكن بعزم وإيمان، يؤكد أن العربي قادر على أن يقود البشر متى ما توفرت له الإمكانيات والمعارف.