الإمارات.. نصف قرن من السَّيْر المستقيم

الإمارات.. نصف قرن من السَّيْر المستقيم

عبدالغفار حسين

المزيد

لم يكن الإنجليز يعلنون عن الانسحاب الكلي من مناطق وجودهم في الشرق الأوسط، ومنها الإمارات في يناير عام 1968، حتى انبرى الجميع يتحدث عن مستقبل ما سوف تكون عليه المنطقة، بعد ما يقارب القرن ونصف قرن من وجود معاهدات الحماية البريطانية منذ عام 1820، وحدد الإنجليز في قرار انسحابهم، 3 سنوات لتسليم أمور الحماية للحكومات المحلية، واتجهت الأنظار إلى زعيمين من زعماء المنطقة، هما، المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان – حاكم أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد – حاكم دبي، اللذان كانا يمثلان أهم الشخصيات الخليجية، ومن بين أكثر الزعماء الخليجيين الذين لهم أدوار قيادية وسياسية في المنطقة العربية.

وخلال السنوات الـ 3 التي توالت على الموعد المحدد للانسحاب البريطاني، كانت المفاوضات والمحادثات على أشدّها بين البلدان الخليجية، التي كان من المقرر أن تكوّن الاتحاد التساعي الخليجي، وهي الإمارات السبع والبحرين وقطر، وهي البلدان التي كانت يومها مرتبطة بمعاهدة الحماية الإنجليزية، وكما هو معروف، فإن البلدين ــ قطر والبحرين ــ قررا في نهاية الأمر، إقامة دولتيهما المستقلتين، وقررت الإمارات السبع «أبوظبي، دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة» إقامة الدولة الاتحادية، باسم دولة الإمارات العربية المتحدة، وأُعلن عن قيام هذه الدولة، في الثاني من ديسمبر عام 1971، في مدينة دبي.

والواقع أن الفترة المنقضية ــ فترة الـ 50 عاماً الماضية على قيام الدولة، ليست بالشيء الذي يعد في عمر الدول والشعوب، ولكن ما أنجزته قيادات الدولة ــ دولة الإمارات العربية المتحدة ــ في المجال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعمراني، أصبح مجال فخرٍ، ليس لشعب الإمارات وحده، بل للشعوب العربية الخليجية والعربية عامة، وفي رأيي، أن هذه المنجزات الكبيرة، تمثل اليوم نموذجاً يحتذى به في أي دولة، أو بين أي شعب ينشد التطور، ويتطلع إلى بناء كيانه على أسس متينة من التماسك المجتمعي، في ظل بناء دولة تقوم على التعددية الفيدرالية اللامركزية في إدارتها وأمورها الداخلية، الشيء الذي ليس له مثيل في بقية المنطقة الشرق أوسطية، التي للمركزية الإدارية هيمنة كاملة في أمورها.

وفي رأيي أيضاً، أن اللامركزية التي أشرنا إليها في الشأن الإداري غير السياسي، كانت عاملاً أساسياً لهذا الازدهار، الذي شهدته وتشهده الإمارات في مجالاتها المختلفة، ومن الضروري المحافظة على هذا اللامركزية، وجعله نموذجاً حيّاً للبلدان التي نريد أن نخطط لمستقبلها العمراني والتنموي، دون أن تتعرض للعوائق والعقبات في طريق سيرها.

وفي النهاية، فإن الشيء الذي يثير في نفسي الاعتزاز، أنني كنت أحد الشاهدين على اليوم الذي تكونّت فيه دولة الاتحاد، دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ اللحظات الأولى لولادتها، وفي المراحل التي تلت من البلوغ وحتى الاكتمال، على أساسٍ من التعايش السلمي والمساواة بين سكانها، من مواطنين ومقيمين.