الألغام.. قاتل الحروب الصامت
فيما من المعتاد أن تخلف الحروب أوضاعًا إنسانية شديدة القسوة، تمثّل الألغام أحد أخطر نواتجها التي تحاصر المدنيين بين مخاطر وتهديدات بالغة، تستلزم جهودًا ضخمة من أجل احتوائها.
ليس اليمن الحالة الوحيدة لمخاطر الألغام القاتلة، لكن مختلف الحروب خلّفت أوضاعًا قاتلة على هذا النحو، مثل العراق الذي يعاني حتى الآن من ويلات الألغام، وكذا أوكرانيا التي تشهد حربًا في الوقت الراهن.
تقول الأمم المتحدة إنّ 1800 مدني لقوا حتفهم أو أصيبوا بسبب الألغام وذخائر لم تنفجر من مخلفات الحرب في اليمن خلال أربع سنوات.
وبحسب مكتب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في اليمن، فإنّ الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب الدامية تسببت منذ العام 2018، في مقتل أو إصابة أكثر من 1800 مدني، بما في ذلك 689 امرأة وطفلاً.
وأشار بيان صادر عن المكتب، أنَّ الفرق التابعة للأمم المتحدة تمكنت من إزالة 73 ألفًا و930 من الألغام والذخائر غير المنفجرة خلال 2021.
ودعت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة "أونمها"، إلى تسريع جهود إزالة الألغام في اليمن، وقالت - في بيان بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام الموافق الرابع من أبريل - إنّ الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب، تستمر في إزهاق وإصابة عشرات الأشخاص في الحُديدة كل عام، كثيرٌ منهم من النساء والأطفال.
وتعتبر عملية التلغيم العشوائية التي ينفذها الحوثيون، بما في ذلك استخدام العبوات المموهة والمتفجرات ذات التقنيات الحديثة، ذات تهديد كبير على سلامة المدنيين سواء في الفترة الحالية أو في المستقبل.
بدوره، قال مشروع "مسام" السعودي إنه تمكن من نزع أكثر من 329 ألف لغم في مختلف المناطق اليمنية منذ انطلاق المشروع في العام 2018 حتى نهاية شهر مارس الماضي.
وسبق أن أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن حاجة حوالي 150 ألف شخص لخدمات الأطراف الصناعية، بسبب ارتفاع عدد ذوي الإعاقة جراء الحرب، في خطر مروع تسبّبت فيه المليشيات الحوثية بعد زراعة نحو مليوني لغم منذ إشعالها الحرب في صيف 2014.
العامل الرئيسي في زيادة ضحايا هذا الإرهاب المروع هو كثرة تنقل السكان بحثًا عن قوت يومهم، لا سيّما من خلال عملهم في الحقول الزراعية ورعي الماشية والوصول إلى مصادر المياه، وهو ما جعلهم عرضة لخطر شديد.
كما تلجأ المليشيات الحوثية لزراعة الألغام بكثافة وبصورة عشوائية كتكتيك دفاعي لعرقلة زحف القوات المناوئة صوب مناطقها.
هذا الوضع المروع في اليمن لا يختلف كثيرًا عن الوضع في العراق الذي كافح عناء هذا الخطر الشديد، ففي هذا الإطار كشفت حكومة إقليم كردستان العراق، أمس، عن وجود أكثر من 5 ملايين لغم من مخلفات الحروب التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية، وأنها تهدد حياة سكان المدن والقرى، خاصة في المناطق الحدودية مع إيران.
وحال الإقليم ليس أفضل من حال باقي محافظات العراق في مشكلة الألغام.
وبحسب مؤسسة شؤون الألغام التابعة لحكومة إقليم كردستان، في بيان بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بالألغام، فقد بلغ عدد ضحايا الألغام والأجسام المتفجرة المسجلين منذ عام 1992 أكثر من 13 ألفًا و500 شخص ما بين قتلى وذوي إعاقة، وأنّ أكثر من خمسة ملايين لغم تعيق الحياة اليومية للسكان، ويبلغ حجم المساحة الملوثة بالألغام 776 كيلومتراً.
ويشهد إقليم كردستان عمليات مستمرة لإزالة الألغام، والتخلص من مخلفات الحروب، وتعمل منظمات دولية بالتنسيق مع حكومة الإقليم في هذا المجال، وفي مقدمتها المجموعة الاستشارية للألغام (MAG).
وبحسب مصادر محلية، فإن أغلب الضحايا من سكان القرى والمناطق الحدودية مع إيران وتركيا، فيما صار بعض الأهالي يتطوعون لإزالة الألغام بطرق بدائية، مثل إطلاق النار عليها، وسط نقص في العلامات التحذيرية الخاصة بحقول ومناطق وجود الألغام.
منطقة ثالثة مهددة بالألغام بشكل خطير، وهي أوكرانيا التي تشهد حربًا تشنها روسيا منذ 24 فبراير الماضي، ولا تزال قائمة حتى الآن.
يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إنّه بعد شهر من الحرب في أوكرانيا، هناك كثير من العبوات غير المنفجرة، الألغام المضادة للأفراد والقنابل العنقودية التي تتطلب عقودًا من العمل لإزالتها.
وصرّح الأمين العام: "حتى بعد وقف إطلاق النار، ستستمر هذه القنابل نفسها بتهديد حياة العديد من الأشخاص، ونحن ندعو جميع الدول إلى الانضمام دون تأخير إلى اتفاقية حظر الألغام".
في سياق متصل، قالت مسؤولة بارزة بالأمم المتحدة، إن الحملة العالمية ضد استخدام الألغام الأرضية تناشد روسيا وقف استخدام هذه الأسلحة في أوكرانيا.
وعبرت آليشيا أرانغو أولموس، سفيرة كولومبيا للأمم المتحدة في جنيف، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجموعة الدول الأطراف في معاهدة 1997 التي تحظر إنتاج واستخدام الألغام الأرضية لهذا العام، عن قلقها العميق إزاء التقارير التي حملتها وسائل الإعلام عن استخدام روسيا للألغام الأرضية في حربها في أوكرانيا.
في المقابل، وبهدف منع القوات الروسية من الوصول لسواحل مدينة أوديسا، اتخذت أوكرانيا خطوة عسكرية وصفت بأنها بالغة الخطورة، وهي زراعة مئات الألغام البحرية في البحر الأسود.
وتقول وسائل إعلام روسية، إنّ هذه الألغام قد تنتقل من المواقع التي زرعت فيها إلى مواقع أخرى، بعد أن أدت العواصف التي هبت مؤخرًا إلى بدء حدوث انقطاعات في الكوابل التي تربطها بمراسيها.
وبحسب مركز العلاقات العامة التابع لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، فقد زرعت البحرية الأوكرانية حقول ألغام يقدر عددها بـ 420 لغمًا قرب موانئ أوديسا وأوتشاكوف وتشرنومورسك و"يوجني" منذ انطلاق العملية العسكرية.