الزغرودة السودانية اليتيمة

شحيحة هي الأفراح في أوطان غرقت طويلاً في الخيبات فالبلاد العربية وهي تجتر الماضي حتى وأن كان تحت المستعمر الأجنبي باحثة عن أطلالها المندثرة فهي تعبر عن واقع الحال الذي تكلست فيه الآمال وتحنطت عليه أحلام الأجيال، هذا ما يجتره كثير من أبناء السودان وهم يرفضون القبول بما آلت إليه أحوال بلادهم التي وقعت في حظ عاثر من بعد استقلالها الوطني في 1956. في العام 2019 وقف عبد الله حمدوك على منبر الأمم المتحدة متحدثاً عن بلاده وعن الثورة التي أسقطت نظام عمر البشير وكان حديثاً مفعماً بالوجدانيات ومبشراً بميلاد سودان جديد منح المرأة أول حقيبة لوزارة الخارجية فإذا بقاعة الأمم المتحدة تداهمها (زغرودة) سودانية من الوفد السوداني المبتهج باللحظة التاريخية ليسجل السودان أنه صاحب الزغرودة الأولى في هذه القاعة الأممية غير أنها كانت الزغرودة اليتيمة فلقد وقع السودان مجدداً في حظه العاثر. لا يكاد أحد يدرك ماذا يريد السودانيين فلقد أسقطوا واحداً من أكثر الأنظمة الإسلاموية تشدداً وأسقطوه بطريقة مدهشة فمواكب السودانيين التي لم تتوقف على مدى أشهر الثورة بسلميتها وبنمطيتها المتفردة حتى مع الكنداكة وهي تردد أنها وشعبها سقوا النيل من دمائهم الفائرة كانت تجذب لها وللسودان كل الحضور بالميلاد الموعود غير أن شيئاً آخر قد حصل فلم يستقر الحال السياسي برغم أن العقوبات الدولية قد رفعت وعادت البلاد إلى مكانها ومحيطها الدولي. ككل البلدان العربية التي تعاني سياسياً يعيش السودان فقدان ثقة بين مكوناته السياسية غير أن السودان تعرض لحملة تنمر طاغية ساهمت فيها وسائل إعلام القوى الإسلاموية التي اعتمدت الفجور في الخصومة عندما اعتمدت خطاباٍ معادياً للقطاع العسكري، وهي حالة ممتدة تاريخياً بدأت من بعد نكسة يونيو 1967 فلقد انتهج تيار الإخوان ذلك الخط المعادي للجيش وتوسع في الأقطار العربية في تجاهل لما شكلته القوات المسلحة في كل بلد عربي من حامل وطني ساهم في استقلال الأقطار العربية. منذ سقط نظام البشير وجدت جماعة الإخوان في التباين بين القوى المدنية والعسكرية شروخات عملت على التسلل منها لإضفاء التباعد بين المكونات الوطنية بتعميق الانقسام السياسي، هنا نعود إلى أصل المعضلة بانعدام الثقة بين المكونات وأن كل الحوارات الوطنية برغم نتائجها الإيجابية إلا أنها لا ينتج عنها عملاً فعلياً وهو ما يستدعي ضرورة التقييم الموضوعي حول أهمية النهاية الطَرفيّة للمكونات السياسية وموضعها النهائي بعد اكتمال خطوات المرحلة الانتقالية. الخروج من دوامة الفشل السياسي تتطلب جدية وواقعية فلا يمكن الاستمرار في استدامة الحوارات الغير منتجه للسياسة، الضرورة تقتضي الدفع باتجاه مسار محدد الوضوح حتى وأن كان صعباً فهذا أفضل من استمرار النزف المعنوي والسياسي الذي ينعكس بطببعة الحال على الاقتصاد ويؤثر سلباً على حياة الناس المصابين أصلاً بإحباطات متوالية كانت هي المحفز وراء الأساس وراء تأييدهم لثورة 2018، أذن لا مناص من استدعاء الواقعية بتقديم نهاية واضحة للمسار السياسي والإقرار بأن المرحلة هي انتقالية لها ما لها وعليها ما عليها. الترويكا الدولية عليها أن تدفع بالقوى السودانية باتجاه مصالحة وطنية حقيقية مع مراعاة اتخاذ إجراءات حازمة ضد وسائل الإعلام المحرضة والتي تذكي الانقسام السياسي وتوسع الهوة ببن الفرقاء بل حتى بين الكتل الواحدة نفسها وهذه المنصات والوسائط معلومة ومعروفة واسكاتها ليس بالأمر الصعب متى ما توفرت الإرادة السياسية الدولية، من حق السودان أن يحظى بزغاريد تتخطى تلك اليتيمة.