قراءة في فكر الشيخ زايد
هاني مسهور
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
- تل أبيب بعد أرامكو.. الحوثي على رقعة الشطرنج
من المهم دائماً العودة إلى قراءة مفهوم الدولة الوطنية في واحدة من أهم نماذجها العربية بما تحتمله التجربة الاتحادية في دولة الإمارات العربية المتحدة. من المهم التعمق في القراءة لهذه التجربة الفريدة لأنها جاءت في عصرها متقدمة، وهكذا مضت وحتى بعد أن اجتازت نصف قرن من تجربتها السياسية فهي تستحق التعمق فيها وفي فكر مؤسسها، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ، الدولة الوطنية العربية الحديثة وإن كان مصطلحاً رائجاً بين النخب الفكرية إلا أنه وفي عهد سابق كان عدماً بمسببات الاستعمار الأجنبي وطبيعة المنطقة.
وإن كان التطلع إلى التحرر الوطني شاغلاً لبلاد العربية مع نهاية الحرب العالمية الأولى وظهور الكيانات السياسية في العراق وسوريا ولبنان والأردن والسعودية، وبنهاية الحرب العالمية الثانية ونكبة العام 1948 نجحت مصر في تكوين السيادة الوطنية في إطار جمهوري مخالف لما كان في شبه جزيرة العرب من أنظمة حاكمة.
الوحدة العربية كانت المحرك الوحدة القومية العربية كانت المحرك الرئيسي لفكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فقد كان مؤمنًا بأن الوحدة هي السبيل الوحيد لتحقيق النهضة والتقدم للعرب، وقد تجلى هذا الإيمان في مواقفه السياسية والفكرية، فقد كان من أبرز دعاة الوحدة العربية، وعمل جاهدًا على تحقيقها وهي محور أساسي في قدرتنا اليوم على استيعاب فكر تكوين الدولة الوطنية الإماراتية كنواة للمفهوم الأشمل الذي يراه الشيخ زايد آل نهيان، هذه نقطة عميقة للغاية فهو انطلق من أن الوطن يبدأ من الحقيقة الفردية وعليه كانت أمارة أبوظبي المبتدأ للتكوين الوطني.
البناء الفيدرالي في إطار دولة واحدة كانت تحدياً صعباً فهذا التكوين لم يكن معروفاً في المنطقة العربية وحتى بعد مرور أكثر من نصف قرناً ظل هذا النموذج فريداً في أنظمة الحكم، الإبقاء على المشيخات الحاكمة وضمها إلى كيان سياسي جامع، المحافظة على النسيج القبلي والمجتمعي مع تأسيس الكيان السياسي تبدو أعمق بكثير من قدرة تلك المجتمعات التي كانت مازالت في طور ما قبل الدولة، هنا يبدو مهماً للغاية البحث أكثر في الكيفية التي استطاع بها الشيخ زايد آل نهيان من تحقيق هذه الصيغة مع التذكير دائماً أن المجتمعات البدوية كانت لم تعيّ آنذاك المفهوم الوطني.
لم يكن إعلان دولة الاتحاد الفيدرالية في 1971 لحظة ميلاد للإمارات العربية المتحدة بل ميلاد بأن المستحيل ممكن. البنيوية الوطنية كانت لابد وأن يستشعرها الناس ولذلك قدمت أبوظبي كل ما كانت تملك من موارد مالية محصلة من النفط لبناء المدارس والمراكز الصحية وتفعيل التنمية الشاملة.
تذكر الوثائق التاريخية أن المغفور له الشيخ زايد كان كريماً للغاية وحاثاً الحكام على إظهار المنشآت الحضرية بالقدر الممكن لتحفيز المجتمعات للانتقال إلى عصر الدولة.
المواطن أساس الدولة الوطنية فهو العنصر الواجب أن يشعر بالانتماء إلى الوطن، وهذا ما فعله تحديداً المؤسس بإشعار الناس بانتمائهم الوطني مع احتفاظهم بهويتهم القبلية. التحدي كان عسيراً في التكوين السياسي مع محدودية الموارد وتحديات المنطقة السياسية بطبيعتها المضطربة.
النوايا الصالحة جزء غير منظور فيما أحدثه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فبتلك النوايا أبقى على إيمانه أنه بالإمكان بناء تكوين سياسي استثنائي، حتى وإنْ لم يحصل هو على التعليم الأكاديمي فالله يعطي صالح الأعمال في الدنيا والآخرة على النوايا الحسنة وهي التي أسهمت في تشكيل دولة وطنية نموذجية في الجزء الأصعب بهذا الكوكب.