بستان الحسيني.. احتطاب ومشاريع تمحو ما بقي من معالمه

الأحد 14 إبريل 2019 14:11:00
بستان الحسيني.. احتطاب ومشاريع تمحو ما بقي من معالمه

بستان الحسيني مساحة زراعية مترامية الاطراف تبدا من جسر الخداد شمالا وتنتهي في منطقة الكدام جنوبا على جانبي الخط العام الرابط لمدينة الحوطة بمنطقة العند كانت تمتلئ تلك المساحة  بأشجار الفواكه والخضروات بكل انواعها وهي تشكل منظرا جماليا رائعا ياسر الالباب ويثير قريحة الشعراء . وقد كان البستان صندوق طعام للجائعين من البشر والحيوانات والطيور وسلة غذاء لمحافظة لحج والمحافظات المجاورة . لكن بستان الحسيني لم يعد اليوم كما كان سابقا، بعد أن طالته يد الاحتطاب الجائر والإهمال المتعمد حتى مُحيت معالمه، وأصبحت اليوم أثراً بعد عين . المشهد العربي ترصد واقع بستان الحسيني في هذا الاستطلاع المصور.

استطلاع / خلدون البرحي

إطلالة على الحسيني

تعود البدايات الأولى لإنشاء بستان الحسيني إلى مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، بفضل باني نهضة السلطنة العبدلية( لحج)، الأمير والأديب والخبير الزراعي احمد فضل القمندان، الذي أراد الاستفادة من مساحات المحافظة الزراعية بفعل ما يمتلكه من معرفة زراعية كبيرة ورؤية مستقبلية فاحصة تخدم المحافظة اقتصاديا من خلال تصدير الفواكه والخضروات إلى المحافظات المجاورة، وتحويل تلك المساحات إلى متنزه يقصده الناس من كل المدن الأخرى، فكان الأمير احمد فضل يقوم بالعديد من الرحلات الى مختلف البلدان العربية والآسيوية والأوروبية وعند عودته إلى السلطنة كان يجلب من تلك البلدان الفسائل ويقوم بزراعتها في بستان الحسيني عبر العاملين ويشرف هو على تنظيم عملية الزراعة لتنمو تلك الاشجار في تلك المساحة التي أطلق عليها "بستان الحسيني" والتي أصبحت معلما زراعيا كبيرا ومتنفسا سياحيا، وأثرا تاريخياً وصلت أصداؤه على مستوى الجزيرة والخليج.

الحسيني فواكه كثيرة

احتوى بستان الحسيني على العديد من أشجار الفواكه المألوفة وغير المألوفة  من مواطنها الأصلية، وقد وجدت تلك الاشجار تربة زراعية خصبة وأجواء مناخية ملائمة لتنمو، وهنا يقول الوالد عوض صالح قريقوش، أحد الذين عملوا في البستان منذ نعومة أظافره، أن البستان كان يحتوي على الكثير من أشجار الفواكه الغريبة، إلى جانب أشجار الفواكه المعروفة، من بين تلك الفواكه الغريبة التي نمت في بستان الحسيني الجانمبو والجمرك والقراريط والفنص والعناب والعاط الهندي، إلى جانب أشجار الفواكه المعروفة مثل الموز بأنواعه والعنب والبرتقال والمانجو والجوافة، وغيرها من أشجار الفواكه.

عوض قريقوش

وأشار قريقوش إلى أن البستان، كان يشكل غابة كثيفة بأشجاره المتنوعة، حتى إذا دخله الزائر يتوه بين أحراشه ولا يعرف من أين دخل ومن أين سيخرج، كما كان البستان بمثابة موطن للعديد من الطيور الفريدة والغريبة، التي اختفت مع تهاوي أشجار البستان وانتهاء العديد من أشجاره التي لم يتبقَ منها اليوم سوء أشجار المانجو.

موضحا أن بستان الحسيني، كان هو الاسم الأعم لمجموعة من البساتين الصغيرة، وقد كان لكل منها أسماً خاصاً، ومن بين تلك الأسماء غرة العين والبصرة، حيط الوسايا، والحيط الكبير، وحيط الكمراني والمعذل، وحيط يوسف، وحيط اسطنبول، وحيط المعذل.

لوحة طبيعية

حمل بستان الحسيني في طياته جمال الطبيعة وبساطة الإنسان اللحجي المرتبط برائحة التراب والمتعفر بالماء الممزوج  بالطين وهو يضرب بمعوله الأرض ليشق طريق الماء نحو أحوض الأشجار عبر عتوم صغيرة تتفرع منسابة وعلى جوانبها طيور البنعاج (مالك الحزين) تلتقم الحشرات وعلى الاشجار تصدح العصافير مغردة بأصواتها المختلفة والجميلة كالبلابل الجوالب، والكويع وبازريق، واليمامات والقماري والزغازيق، والصنيج والهداهد، حيث أن اغلب أسمائها مأخوذة من أشكالها.

 وكانت النساء بين عاملات في بستان الحسيني او زائرات وباحثات عن أشجاره العطرية كالفل والياسمين والجوري والنرجس والكاذي والبشام والخوع والمشموم، ومن هذه اللوحة الطبيعية جادت قرائح الشعراء بأروع الكلمات شعرا بديعا، جمع تفاصيل اللوحة تعبيرا وشرحا ومتانة بدارجيّة أهل لحج مفصحا عن ما أحدثه البستان من تأثير في خوالج النفس فكان الشعور بمستوى الموصف وان حمل بعضها إيحائات دلالية وتشبيهات كقصيدة (انت عنب في الحسيني ولا خريف بالحبيل)، أو قصيدة (ياذي تبون الحسيني)، أو (حل لك في الحسيني)، و(الحسيني جناين والرمادة زراعة)، و(يا ورد ياكاذي) وغيرها من القصائد التي صدح بكلماتها الفنان الشعبي الراحل فيصل علوي، حتى وصلت صداها الجزيرة العربية والخليج.

سياسات خاطئة

لم يجد بستان الحسيني حقه من الاهتمام كمعلم زراعي احتوى بين جنباته روعة المكان والزمان وفي أعماقه حضارة لحج الزراعية ومستقبلها الاقتصادي، لتنتهي معالم لوحة رسمت بفكر الأمير الراحل أحمد فضل القمندان، وأشبعت ألوانها من عرق الأجداد والآباء أمام أعين الأحفاد من الذين لاح على خواطرهم  اسم بستان الحسيني ولم تأسرهم جمالياته وتتجاذبهم تفاصيل ذكرياته العبقة.

فضل العمري 

ويقول رئيس جمعية عبر لحسان فضل علي العمري ان السبب الرئيسي الذي أوصل بستان الحسيني إلى ماهو عليه اليوم من اندثار، هو السياسة الخاطئة التي انتهجتها السلطات المحلية المتعاقبة بالمحافظة من خلال تأجير مزارع البستان للقطاع الخاص والذي بدوره لم يهتم بهذا البستان، بل فاقم وساعد في التعجيل بإنهاء ما تبقى من اشجاره في البحث عن المردود المادي دون تطوير أو تعزيز بأشجار جديدة بدلا عن القديمة .

وأردف بالقول أن من الأسباب التي عجلت في نهاية بستان الحسيني ايضا الحرب التي شنت على المحافظات الجنوبية في صيف عام 1994منتيجة القذائف والصواريخ التي سقطت بين اشجاره .

 ولان بستان الحسيني يسقى من مياه عبر لحسان والتي هي بالأساس مياه عيون تتجمع في وادي تبن ويتم تحويلها من خلال عبر لحسان إلى البستان فقد ساعد الحفر العشوائي للآبار في المزارع الممتدة على جانبي وادي تبن بفرعيه الصغير والكبير الى استنزاف تلك المياه

على الحسيني سلام

لم يتبقَ من بستان الحسيني الا بضعة اشجار حاولت مقارعة تقلبات الطبيعة والاحتطاب الجائر لتظل شاهدا على ماكان يعرف ببستان الحسيني فيما تحولت مساحات واسعة إلى ارض بور ومساحات أخرى حل بدلا عن أشجارها المصانع ومحطات الوقود في حين تنتظر ما تبقى من مساحات بعد بيعها انشاء مشاريع جديدة لا يعلم محتواها إلا من اشترى الأرض في استمرار لمحو ماتبقى من بستان الحسيني ليكتفي أحفاد القمندان في لحج بالترنم بأجمل ما قيل في البستان في أيام الزمن الجميل"على الحسيني سلام".