كيف سيطر الانقلابيون على الشرعية!!! 4
د. عيدروس النقيب
لا يراودني أدنى شك في أن الدعوة لعقد مؤتمر حوار وطني شامل في اليمن قد جاء بغرض تجنيب اليمن بلاوي الحروب وحصادها المرّ بعد تجارب عشرات السنين من الحروب الصغيرة والكبيرة، الشمالية ـ الشمالية، الجنوبية ـ الجنوبية والجنوبية ـ الشمالية.
لقد تضمنت المبادرة الخليجية قيام حوار وطني، وعززتها ما اتفق على تسميتها "الآلية التنفيذية" التي تضمنت في ما تضمنت مجموعة من القضايا وكان من ضمنها النقاط العشرين التي أريد منها تقديم المعالجات لبعض العناصر المكونة للقضية الجنوبية والتي لم تتعرض لها المبادرة الخليجية وهي النقاط التي لم ينفذ منها حرفاً واحداً رغم كثرة الأقاويل والادعاءات التي يقولها المتنفذون في الحكومة الشرعية.
وفي كل الأحوال لقد كان بإمكان مؤتمر الحوار أن يشكل فرصة لإعادة اليمن إلى المسار السياسي للتغلب على المعضلات المزمنة، بالاستناد على متطلبات حياة المواطنين وتطلعاتهم السياسية والاجتماعية، لكن مؤتمر الحوار جاء في تركيبته وفي توجهاته ليعكس تلك التركيبة المتناقضة للطيف السياسي المتناثر في البلاد، وحمل معه أمراض تلك التركيبة وتناقضاتها وصراعاتها المزمنة.
يكمن بيت القصيد في الصراع الذي تمحور في مؤتمر الحوار، في اتجاهين أساسيين وإزاء قضيتين اساسيتين،
القضية الأولى: قضية شكل الدولة، حيث كان هناك اتجاهان، الأول ويرى أن تكون اليمن دولة اتحادية، كان الجنوبيون (الآتون من ساحات الحراك السلمي الجنوبي) يطرحون فكرة الدولة الاتحادية بإقليمين لفترة مزمنة، تنتهي باستفتاء على مستقبل هذين الإقليمين، باعتبار القضية الجنوبية هي قضية دولة دخلت في شراكة مع دولة شقيقة، ففشلت تلك الشراكة وأقل معالجة لهذا الفشل هو دولة بإقليمين وفقا لحدود العام 1990م، وقد تبنى وجهة النظر هذه ممثلو الحزب الاشتراكي في المؤتمر، بينما كانت معظم القوى الشمالية، وعلى وجه الخصوص الحزبان الكبيران (المؤتمر والإصلاح) يرفضان أي شكل من أشكال الدولة الاتحادية وأقصى ما يمكن أن يقبلا به هو الحكم المحلي واسع الصلاحيات، والبعض قال كامل الصلاحيات، ويعلم الناس أنها كذبة لن تؤدي إلى أي تغيير لا في ما يتعلق بالقضية الجنوبية، ولا حتى في شكل الدولة بشكل عام.
لقد دخل المتحاورون مؤتمرهم وكلٌ منهم يحمل أجندة حزبه، وكان الرئيس هادي الذي علّقَ آمالاً كبيرة على نجاح المؤتمر في تفكيك الأزمة اليمنية وإخراج البلد إلى برِّ الأمان الوحيد الذي ليس لديه أجندةً غير معلنة ولا اصطفافاً شعبياً عريضاً يعبر عن مشروعه ويتبنى توجهاته، فراهن على المنسحبين من المؤتمر الشعبي العام ووعود التجمع اليمني للإصلاح وبعض الجنوبيين الذين رشحتهم أحزابهم أو جاءوا باسم الحراك الجنوبي وبعضهم جاؤوا ضمن قائمة الرئيس.
وعلى العموم فقد ثرثر المتحاورون كثيراً وتباروا في انتقاء المفردات والجمل المعبرة عن الرقي والديمقراطية والعدالة والمواطنة المتساوية والدولة المدنية وحرية التعبير، ودولة الرفاه وما إلى ذلك، لكن ليس كل من قال عبارات جميلة كان يعني ما يقول، دون أن ننكر صدق نوايا البعض ممن راهنوا على إمكانية إحداث انتقال سياسي سلمي باتجاه بناء دولة تحترم حقوق مواطنيها.
وللحديث بقية