اليمن بين حلم جريفيث والصقيع الذي بلغته الحرب
رأي المشهد العربي
"نتوقَّع حلاً وشيكاً للأزمة في اليمن".. عندما يخرج تصريحٌ كهذا من المبعوث الأممي مارتن جريفيث لن يكون سؤال "كيف يتحقَّق ذلك" هو الأهم، بقدر ما سينشغل الكثيرون بمعرفة مصدر الثقة التي زُرعت في عقل الدبلوماسي المُحنَّك.
حشر جريفيث جل تفكيره على ما يبدو في "اتفاق السويد"، معتبراً أنّه الخطوة الرئيسية نحو حل سياسي في اليمن، هذا بغض النظر عن حجم الالتزام به وفرص نجاحه على الأرض، بقدر ما انشغل الرجل بما يمكن اعتباره هالة إعلامية يصنعها هو حول نفسه لنصر دبلوماسي لأزمة استعصت على الحل، وبلغت ما لم يكن أن تبلغه.
استجمع الدبلوماسي البريطاني ثقةً يُحسد عليها، متحدثاً عن إمكانية قائمة بقوة من أجل وقف الحرب استناداً إلى اتفاق السويد، لكنّ الرجل على ما يبدو لم يلتفت إلى الوضع الراهن لذلك الاتفاق الموقّع قبل أكثر من ستة أشهر، والوضع المُجمَّد منذ "صقيع ديسمبر".
عند السير مع افتراض المبعوث الأممي وإمكانية تحقيق ما ذهب إليه على أرض الواقع، فإنّ الأمر يثير مخاوف أكثر ما يثير طمأنينة بشأن المرحلة المقبلة، ويرتبط هذا الأمر بالاتهامات الموجَّهة للأمم المتحدة بتساهلها المُفرط مع المليشيات الحوثية وتغاضيها عن الكثير من الجرائم التي يرتكبها الانقلابيون منذ توقيع ذلك الاتفاق.
يعني هذا الأمر أنَّ أي مستقبل للحل ستفرضه الأمم المتحدة، سيكون مشكوكاً في أمره إلى حد بعيد، لا سيّما مع احتمالية قائمة لأن يتم تطبيق سياسة "الأمر الواقع"، وهي ستكون عبارة عن شرعنة للوجود الحوثي في المرحلة المقبلة لا سيّما فيما يتعلق بنفوذها في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
حديث الأمم المتحدة ومبعوثها جريفيث عن السير في طريق السلام ووقف الحرب بحلول نهاية العام كما أشارت هذه التوقعات، يتوجّب أن ترافقه ضغوط حاسمة على المليشيات الحوثية لإجبارها على وقف التعدي على اتفاق السويد والالتزام بتلك البنود التي تمّ التوصُّل إليها لا سيّما فيما يتعلق بإعادة الانتشار.
لكن في المقابل، فإنّ حديث الأمم المتحدة عن توافق بشأن الحل السياسي دون هذا الانخراط "اللازم المُلزم" سيكون زجاً باليمن في مستقبل حالك مشوه مصبوغ بلون الدم والإرهاب مع السماح للمليشيات بأن تعيث في الأرض قتلاً وإفساداً أكثر وأكثر، وذلك بإدراجها ضمن مستقبل الحل السياسي.
الجرائم المروعة المندرِجة ضمن جرائم الحرب التي ارتكبتها المليشيات الحوثية على مدار السنوات الماضية، والمستمرة في تنفيذها بشكلٍ تخطَّى كل الحدود الحُمر، أمرٌ كفيل أن يتم استبعادها من أي أطر للحل السياسي في المرحلة المقبلة، وهو الدرس الذي يتوجَّب أن تفطن إليه الأمم المتحدة جيداً إن أرادت خيراً لليمن وأهله وناسه.